وقيل : تبارك : تفاعل ، من البركة وهي النّماء والزّيادة ، أي : البركة تكسب ، وتنال
بذكره.
وعن ابن عبّاس قال : جاء بكلّ بركة (١).
وقال الحسن : تجيء البركة من قبله (٢).
وقيل : تبارك : تقدّس ، والقدس : الطهارة.
وقيل : تبارك الله أي : باسمه يتبرّك في كلّ شيء.
وقال المحقّقون : معنى هذه الصّفة : ثبت ودام كما لم يزل ولا يزال ، وأصل البركة الثّبوت ويقال : تبارك الله ولا يقال : يتبارك ولا مبارك ؛ لأنّه لم يرد به التّوقيف.
وقوله : (رَبُّ الْعالَمِينَ) والعالم : كلّ موجود سوى الله تعالى.
قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(٥٥)
لمّا ذكر الدّلائل الدّالة على كمال القدرة ، والحكمة ، والرّحمة أتبعه بذكر الأعمال اللّائقة بتلك المعارف ، وهو الاشتغال بالدّعاء والتّضرّع ، فقوله : (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) نصب على الحال : أي : متضرعين مخفين الدّعاء ليكون أقرب إلى الإجابة. ويجوز أن ينتصبا على المصدر ، أي : دعاء تضرّع وخفية.
وقرأ أبو بكر (٣) : «خفية» بكسر الخاء ، وقد تقدّم ذلك في الأنعام (٤) إلا أنّ كلام أبي عليّ يرشد إلى أنّ «خفية» بالكسر بمعنى الخوف ، وهذا إنّما يتأتّى على ادّعاء القلب أي يعتقد تقدم اللّام على العين وهو بعيد ؛ لأنّه كان ينبغي أن تعود الواو إلى أصلها ، وذلك أن «خفية» ياؤها عن واو لسكونها وانكسار ما قبلها ، [ولمّا أخّرت الواو تحرّكت ، وسكّن ما قبلها ،] إلّا أن يقال : إنّها قلبت متروكة على حالها.
وقرأ الأعمش (٥) «وخيفة» (٦) وهي تؤيّد ما ذكره الفارسيّ ، نقل هذه القراءة عنه أبو حاتم.
قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) قرأ ابن أبي عبلة (٧) «إنّ الله» أتى بالجلالة مكان الضّمير ، والمراد بالتّضرّع : التّذلّل والاستكانة ، وبالخفية : السّرّ.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) يعني أنه قرأ بها عاصم في رواية أبي بكر ، وهذا مصطلح المصنف في تفسيره ، فحيث ذكر قراءة «أبي بكر» ، فإنما يعني عاصما من روايته. ينظر : السبعة ٢٨٣ ، والحجة ٤ / ٢٩ ، وإعراب القراءات ١ / ١٨٦ ، والعنوان ٩٦ ، وإتحاف ٢ / ٥١.
(٤) ينظر تفسير الآية (٦٣) من سورة الأنعام.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤١٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٣١٣ ، والدر المصون ٣ / ٢٨٢.
(٦) في أ : خفية.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤١٠ ، البحر المحيط ٤ / ٣١٣ ، الدر المصون ٣ / ٢٨٤.