٢٤٨٩ ـ له الويل إن أمسى ولا أمّ سالم |
|
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا (١) |
وفي القرآن : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) [الأحزاب : ٦٣].
وقال أبو عبيدة (٢) : «قريب في الآية ليس وصفا لها ، إنّما هو ظرف لها وموضع ، فيجيء هكذا في المفرد والمثنى والجمع ، فإن أريد بها الصّفة ؛ وجب المطابقة ، ومثلها لفظة بعيد أيضا» إلّا أنّ عليّ بن سليمان الأخفش خطّأه قال : «لأنّه لو كانت ظرفا لانتصب كقولك : «إنّ زيدا قريبا منك» وهذا ليس بخطأ ، لأنّه يجوز أن يتّسع في الظّرف ، فيعطى حكم الأسماء الصّريحة فتقول : زيد أمامك وعمرو خلفك برفع أمام وخلف ، وقد نصّ النّحاة على أنّ نحو : «[إن قريبا] منك زيد» أن «قريبا» اسم «إنّ» ، و «زيد» خبرها ، وذلك على الاتّساع».
و (مِنَ الْمُحْسِنِينَ) متعلّق ب «قريب» ، ومعنى هذا القرب هو أنّ الإنسان يزداد في كلّ لحظة قربا من الآخرة وبعدا من الدّنيا ، فإنّ الدّنيا كالماضي والآخرة كالمستقبل ، والإنسان في كلّ ساعة ولحظة يزداد بعدا عن الماضي ، وقربا من المستقبل.
قال الشّاعر : [الطويل]
٢٤٩٠ ـ فلا زال ما تهواه أقرب من غد |
|
ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس (٣) |
ولمّا كانت الدّنيا تزداد بعدا في كلّ ساعة ، والآخرة تزداد قربا في كلّ ساعة ، وثبت أنّ رحمة الله إنّما تحصل بعد الموت ، لا جرم قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
فصل في دحض شبهة للمعتزلة
قالت المعتزلة : العفو عن العذاب رحمة ، والتّخلّص من النّار بعد الدّخول فيها رحمة[فوجب ألا يحصل ذلك لمن لم يكن من المحسنين والعصاة وأصحاب الكبائر ليسوا من المحسنين](٤) فوجب ألّا يحصل لهم العفو عن العقاب والخلاص من النّار.
والجواب : أنّ من آمن بالله وأقرّ بالتّوحيد والنّبوّة ، فقد أحسن بدليل أن الصّبيّ إذا بلغ وقت الضّحوة ، وآمن بالله ورسوله ومات قبل الوصول إلى الظهر فقد اجتمعت الأمّة على أنّه دخل تحت قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) [يونس : ٢٦] وهذا لم يأت بشيء من الطّاعات سوى المعرفة والإقرار (٥).
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٢١٦.
(٣) ينظر : الرازي ١٤ / ١١٢.
(٤) سقط من ب.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١١.