سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(٥٧)
في كيفيّة النّظم وجهان :
الأول : أنه تعالى لمّا ذكر دلائل الإلهيّة ، وكمال العلم والقدرة من العالم العلويّ ، وهو السّموات والشّمس ، والقمر ، والنّجوم ، أتبعه بذكر الدّلائل من أحوال العالم السّفليّ.
واعلم أنّ أحوال هذا العالم محصورة في أمور أربعة : الآثار العلويّة ، والمعادن ، والنّبات ، والحيوان ، ومن جملة الآثار العلويّة : الرياح والسّحاب والأمطار ، ويترتب على نزول الأمطار أحوال النّبات ، وهو المذكور في هذه الآية.
الثاني : أنّه تعالى لمّا أقام الدّلالة في الآية الأولى على وجود الإله القادر العالم الحكيم ؛ أقام الدّلالة في هذه الآية على صحّة القول بالحشر ، والنّشر ، والبعث ، والقيامة ليحصل بمعرفة هاتين الآيتين كلّ ما يحتاج إليه في معرفة المبدأ والمعاد.
قوله : «الرّياح بشرا» قد تقدّم خلاف القرّاء في إفراد «الرّيح» وجمعها بالنّسبة إلى سائر السّور في البقرة.
وأمّا «بشرا» فقرأه في هذه السّورة ـ وحيث ورد في غيرها من السّور ـ نافع وأبو عمرو (١) وابن كثير بضم النون والشّين ، وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرّحمن ، وأبي رجاء بخلاف عنهم ، وشيبة بن نصاح والأعرج وعيسى بن عمر وأبي يحيى ، وأبي نوفل الأعرابيّين. وفي هذه القراءة وجهان فيتحصّل فيها ستّة أوجه :
أحدها : أن «نشرا» جمع ناشر ك «بازل» و «بزل» و «شارف» و «شرف» وهو جمع شاذّ في فاعل.
ثم «ناشر» هذا اختلف في معناه فقيل : هو على النّسب : إمّا إلى النّشر ضدّ الطيّ ، وإمّا إلى النّشور بمعنى الإحياء كقوله : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك : ٢٥] ، والمعنى : ذا نشر ، أو نشور ك «لابن» و «تامر».
وقيل : هو فاعل من نشر مطاوع أنشر يقال : أنشر الله الميّت ، فنشر فهو ناشر ، وأنشد: [السريع]
٢٤٩١ ـ حتّى يقول النّاس ممّا رأوا |
|
يا عجبا للميّت النّاشر (٢) |
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٨٣ ، والحجة ٤ / ٣١ ، ٣٢ ، وحجة القراءات ٢٨٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١٨٦ ، وشرح شعلة ٣٩١ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩٩ والعنوان ٩٦ ، وإتحاف ٢ / ٥٣.
(٢) تقدم.