وأمّا نصبها فإنّها في قراءة نافع ، ومن معه وابن عامر منصوبة على الحال من «الرّياح» أو «الرّيح» حسب ما تقدّم من الخلاف وكذلك هي في قراءة عاصم ، وما يشبهها.
وأمّا في قراءة الأخوين ، ومسروق فيحتمل المصدريّة ، أو الحاليّة ، وكلّ هذا واضح ، وكذلك قراءة «بشرى» بزنة رجعى ولا بدّ من التّعرّض لشيء آخر ، وهو أنّ من قرأ «الرّياح» بالجمع وقرأ «نشرا» جمعا كنافع ، وأبي عمرو فواضح.
وأما من أفرد «الرّيح» وجمع «نشرا» كابن كثير ، فإنّه يجعل الرّيح اسم جنس ، فهي جمع في المعنى ، فوصفها بالجمع كقول عنترة : [الكامل]
٢٤٩٣ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة |
|
سودا كخافية الغراب الأسحم (١) |
والحاليّة في بعض الصّور يجوز أن تكون من فاعل «يرسل» ، أو مفعوله وكلّ هذا يعرف مما تقدم.
فصل
روى أبو هريرة قال : أخذت النّاس ريح بطريق مكّة ، وعمر حاجّ فاشتدت ، فقال عمر لمن حوله : ما بلغكم في الرّيح فلم يرجعوا إليه شيئا ، فبلغني الذي سأل عمر عنه من أمر الريح ، فاستحثثت راحلتي حتى أدركت عمر ، فكنت في مؤخّر النّاس ، فقلت : يا أمير المؤمنين : أخبرت أنّك سألت عن الرّيح ، وإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : الرّيح من روح الله ، تأتي بالرّحمة وتأتي بالعذاب ، فلا تسبّوها ، وسلوا الله من خيرها ، وتعوّذوا به من شرّها (٢).
فصل في ماهية الريح
قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمهالله ـ : الرّيح : هواء متحرك ، وكونه متحرّكا ليس لذاته ، ولا للوازم ذاته ، وإلا لدامت الحركة بدوام ذاته ، فلا بدّ وأن يكون بتحريك الفاعل المختار وهو الله تعالى.
__________________
(١) البيت لعنترة ينظر : ديوانه (١٧) ، شرح القصائد العشر (٣٢٧) ، الخزانة ٧ / ٣٩١ ، شرح المفصل لابن يعيش ٣ / ٥٥ ، الدر المصون ٣ / ٢٨٥.
(٢) أخرجه الشافعي في المسند ١ / ١٧٥ ـ ١٧٦ حديث (٥٠٤) وأخرجه معمر في الجامع ١١ / ٨٩ باب الريح والغيث (٣٠٠٤) وأحمد في المسند ٢ / ٢٦٧ من طريق عند الرزاق ضمن مسند أبي هريرة رضي الله عنه والبخاري في الأدب المفرد ص (٣٤٣) باب لا تسبّوا الريح (٧٣١) (٩٠٩) وأخرجه أبو داود من طريق عبد الرزاق ١ / ٣٢٨ في الأدب : باب ما يقول إذا هاجت الريح (٥٠٩٧) والنسائي في عمل اليوم والليلة (٩٣١) والفسوي في المعرفة والتاريخ ١ / ٣٨٢ وابن ماجه في السنن ٢ / ٢٢٨ في الأدب : باب النهي عن سب الريح (٣٧٢٧) والطحاوي في مشكل الآثار ١ / ٣٩٩ وابن حبان ذكره الهيثمي (٤٨٨) في كتاب الأدب (١٩٨٩) والحاكم في المستدرك ٤ / ٢٨٥ في الأدب : باب الريح من روح الله فلا تسبوها والبيهقي ٣ / ٣٦١ في كتاب صلاة الاستسقاء.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١٣.