في تخفيف «ميّت» وتثقيله في آل عمران (١) وجاء هنا وفي الرّوم [٤٦] (يُرْسِلُ) بلفظ المستقبل مناسبة لما قبله ، فإنّ قبله : «ادعوه خوفا» وهو مستقبل ، وفي الروم [٤٥] : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) ، وهو مستقبل.
وأمّا في الفرقان [٤٨] وفاطر [٩] فجاء بلفظ الماضي : «أرسل» لمناسبة ما قبله وما بعده في المضي ؛ لأنّ قبله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] ، وبعده : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) [الفرقان : ٥٣] ، فناسب ذلك الماضي ، ذكره الكرمانيّ.
والبلد يطلق على كلّ جزء من الأرض ، عامرا كان ، أو خرابا ، وأنشدوا على ذلك قول الأعشى : [البسيط]
٢٤٩٤ ـ وبلدة مثل ظهر التّرس موحشة |
|
للجنّ باللّيل في حافاتها زجل (٢) |
قوله : «فأنزلنا به» الضّمير في «به» يعود على أقرب مذكور ، وهو «بلد ميّت» ، وعلى هذا فلا بدّ من أن تكون الباء ظرفيّة ، بمعنى أنزلنا في ذلك البلد الميّت الماء ، وجعل أبو حيّان هذا هو الظّاهر.
وقيل : الضّمير يعود على «السّحاب» ، ثم في «الباء» وجهان :
أحدهما : هي بمعنى «من» أي : فأنزلنا من السّحاب الماء.
والثاني : أنّها سببيّة أي : فأنزلنا الماء بسبب السّحاب.
وقيل : يعود على السّوق المفهوم من الفعل و «الباء» سببية أيضا [أي] : فأنزلنا بسبب سوق السّحاب ، وهو ضعيف لعود الضّمير على غير مذكور مع إمكان عوده على مذكور.
قوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ) الخلاف في هذه الآية كالّذي في قبلها ، ونزيد عليه وجها أحسن منها ، وهو العود على الماء ، ولا ينبغي أن يعدل عنه.
وقوله : «من كلّ الثّمرات» «من» تبعيضية ، أو ابتدائية ، وقد تقدم نظيره.
فصل
اعلم أنّ السّحاب للمياه العظيمة إنما يبقى معلقا في الهواء ؛ لأنّه تعالى دبّر بحكمته أن يحرّك الرّياح تحريكا شديدا ، فلأجل الحركات الشّديدة التي في تلك الرياح تحصل فوائد (٣).
أحدها : أنّ أجزاء السّحاب ينضمّ بعضها إلى بعض ويتراكم وينعقد السّحاب الكثير الماطر.
__________________
(١) ينظر تفسير الآية (٢٧) من سورة آل عمران.
(٢) البيت للأعشى ، ينظر ديوانه ١٠٩ ، شرح القصائد العشر ٤٩٨ ، اللسان (بلد) ، الدر المصون ٣ / ٢٨٦.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١١٥.