قال الفرّاء : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) فيه واو مضمرة ، المعنى : أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فاستثقلوا نسقا على أثر نسق ، ولو قيل لكان صوابا.
قلت : قد تقدّم أنّ الشّيخ نقل أنّ الواو ممتنعة في هذا المثال ، ولم يحك خلافا ، وهذا قول الفرّاء : «ولو قيل لكان صوابا» مصرّح بالخلاف له.
وقال أبو بكر : أضمرت واو الحال لوضوح معناها كما تقول العرب : «لقيت عبد الله مسرعا ، أو هو يركض» فيحذفون الواو لأمنهم اللّبس ، لأن الذّكر قد عاد على صاحب الحال ، ومن أجل أنّ «أو» حرف عطف والواو كذلك ، فاستثقلوا جمعا بين حرفين من حروف العطف ، فحذفوا الثّاني.
قال شهاب الدّين (١) : فهذا تصريح من هذين الإمامين بما ذكره أبو القاسم ، وإنما ذكرت نص هذين الإمامين ؛ لأعلم اطلاعه على أقوال النّاس ، وأنّه لا يأتي بغير مصطلح أهل العلم كما يرميه به غير مرّة.
و «قائلون» من القيلولة. يقال : قال يقيل [قيلولة] فهو قائل ك «بائع» والقيلولة : الرّاحة والدعة في الحرّ وسط النهار ، وإن لم يكن معها نوم.
وقال اللّيث : هي نومة نصف النّهار.
قال الأزهريّ (٢) : «القيلولة : الرّاحة ، وإن لم يكن فيها نوم بدليل قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤] ، والجنّة لا نوم فيها».
قال شهاب الدّين (٣) : «ولا دليل فيما ذكر ؛ لأن المقيل هنا خرج عن موضوعه الأصليّ إلى مجرّد الإقامة بدليل أنّه لا يراد أيضا الاستراحة في نصف النّهار في الحر فقد خرج عن موضوعه عندنا وعندكم إلى ما ذكرنا ، والقيلولة مصدر ومثلها : القائلة والقيل والمقيل».
فصل في المراد بالآية
معنى الآية (٤) أنهم جاءهم بأسنا ، وهم غير متوقّعين له ، إمّا ليلا وهم نائمون ، أو نهارا وهم قائلون ، والمراد أنّهم جاءهم العذاب على حين غفلة منهم ، من غير تقدّم أمارة تدلّهم على نزول ذلك العذاب مكانه ، قيل للكفّار : لا تغتروا بأسباب الأمن والرّاحة ، فإنّ عذاب الله إذا وقع وقع دفعة من غير سبق أمارة.
قوله تعالى : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ)(٥)
قوله تعالى : (فَما كانَ دَعْواهُمْ) جوّزوا في «دعواهم» وجهين :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٤.
(٢) ينظر : تهذيب اللغة ٩ / ٣٠٥.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٤.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٩.