ثم قال تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : أنكم لما شاهدتم أنّ هذه الأرض كانت مزيّنة وقت الرّبيع والصّيف بالأزهار والثّمار ، ثم صارت عند الشّتاء ميتة عارية عن تلك الزّينة ، ثم إنّه تعالى أحياها مرّة أخرى ، فالقادر على إحيائها بعد موتها يجب أن يكون قادرا على إحياء الأجساد بعد موتها أيضا.
قوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)(٥٨)
قيل : هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر بالأرض الخيرة والأرض السّبخة ، وشبه نزول القرآن بنزول المطر ، فشبّه المؤمن بالأرض الخيرة التي ينزل عليها المطر ، فتزهر وتثمر ، وشبّه الكافر بالأرض السّبخة ، فهي وإن نزل عليها المطر لم تزهر ولم تثمر.
وقيل : المراد أنّ الأرض السّبخة يقلّ نفعها وثمرها ، ومع ذلك فإن صاحبها لا يهمل أمرها ، بل يتعب نفسه في إصلاحها طمعا منه في تحصيل ما يليق بها من المنفعة ، فمن طلب هذا النفع اليسير بالمشقّة العظيمة ، فلأن يطلب النّفع العظيم الموعود به في الآخرة بالمشقّة الّتي لا بد من تحصيلها في أداء الطّاعات أولى.
قوله : «بإذن ربّه» يجوز أن تكون «الباء» سببية أو حالية وقرىء : «يخرج نباته» ، أي : يخرجه البلد وينبته (١).
قوله : «والّذي خبث» يريد الأرض السّبخة التي لا يخرج نباتها.
يقال : خبث الشّيء يخبث خبثا وخباثة.
قال الفراء : قوله : «إلّا نكدا» فيه وجهان :
أحدهما : أن ينتصب حالا أي عسرا مبطئا. يقال : نكد ينكد نكدا بالفتح ، فهو نكد بالكسر.
والثاني : أن ينتصب على أنّه نعت مصدر محذوف ، أي : إلا خروجا نكدا ، وصف الخروج بالنّكد كما يوصف به غيره ، ويؤيّده قراءة أبي (٢) جعفر بن القعقاع : «إلّا نكدا» بفتح الكاف.
قال الزّجّاج (٣) : وهي قراءة أهل المدينة ، وقراءة ابن مصرّف : «إلا نكدا» بالسّكون وهما مصدران.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١٨.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١١٢ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٤١٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٢٢ ، والدر المصون ٣ / ٢٨٦ ، وإتحاف ٢ / ٥٢.
(٣) ينظر تفسير معاني القرآن للزجاج ٢ / ٣٨٢.