روى أبو بردة عن أبي موسى عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ، فكان منها بقعة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله به النّاس فشربوا وسقوا ورعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى ، إنّما هي قيعان لا تمسك ، ولا تنبت كلا ، فذلك مثل من فقهه في دين الله ، ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (١).
قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(٥٩)
لمّا قرر المعاد بالدّليل الظّاهر أتبعه بذكر قصص الأنبياء لفوائد :
أحدها : التّنبيه على أنّ إعراض النّاس عن قبول الدلائل والبينات ليس مخصوصا بقوم محمّد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بل هذه العادة المذمومة كانت حاصلة في جميع الأمم السّابقة ، والمصيبة إذا عمّت خفّت ، ففي ذكر قصصهم تسلية للرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وتخفيف عن قلبه.
وثانيها : أنّه تعالى يحكي في هذه القصص أنّ عاقبة أمر أولئك المنكرين كان إلى اللّعن في الدّنيا ، والخسارة في الآخرة ، وعاقبة أمر المحقّين [إلى الدّولة في الدّنيا ، والسّعادة في الآخرة ، وذلك يقوي قلوب المحقّين](٢) ، ويكسر قلوب المبطلين.
وثالثها : التنبيه على أنّه تعالى ، وإن كان يمهل المبطلين لكنّه لا يهملهم بل يعاقبهم ، وينتقم منهم.
ورابعها : بيان ما في هذه القصص من الدّلالة على نبوّة محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لأنّه كان أميّا ، لم يطالع كتابا ، ولا تلمذ لأستاذ ، فإذا ذكر هذه القصص من غير تحريف ولا خطأ دلّ ذلك على أنّه عرفها بوحي من الله تعالى (٣).
قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا) جواب قسم محذوف تقديره : «والله لقد أرسلنا».
قال الزّمخشريّ (٤) : فإن قلت : ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللّام إلّا مع «قد» ، وقلّ عنهم قوله : [الطويل]
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ١٧٥ ، كتاب العلم : باب فضل من علم وعلّم ومسلم في الصحيح ٤ / ١٧٨٧ ـ ١٧٨٨ ، كتاب الفضائل : باب بيان مثل ما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم من الهدى والعلم الحديث (١٥ / ٢٢٨٢).
(٢) سقط من أ.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١١٨.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ١١٢.