قوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
قرأ الكسائيّ (١) «غيره» بخفض الرّاء في جميع القرآن ، والباقون برفعها ، وقرأ عيسى (٢) بن عمر بنصبها ، فالجرّ على النّعت والبدل من موضع «إله» ؛ لأن «من» مزيدة فيه ، وموضعه رفع : إما بالابتداء ، وإمّا بالفاعليّة ، ومنع مكيّ (٣) في وجه الجرّ أن تكون بدلا من إله على اللّفظ ، قال : كما لا يجوز دخول «من» لو حذفت المبدل منه ؛ لأنّها لا تدخل في الإيجاب ، وهذا كلام متهافت.
والنّصب على الاستثناء ، والقراءتان الأوليان أرجح ؛ لأنّ الكلام متى كان غير إيجاب ، رجّح الاتباع على النّصب على الاستثناء وحكم غير حكم الاسم الواقع بعد «إلّا» ، و «من إله» إذا جعلته مبتدأ فلك في الخبر وجهان :
أظهرهما : أنّه «لكم».
والثاني : أنّه محذوف ، أي : ما لكم من إله في الوجود ، أو في العالم غير الله ، و «لكم» على هذا تخصيص وتبيين.
فصل فيما تضمنته الآية من حذف
قال الواحديّ : «في الكلام حذف ، وهو خبر ما ؛ لأنّك إذا جعلت غيره صفة لقوله : «إله» لم يبق لهذا المنفي خبر ، والكلام لا يستقلّ بالصّفة والموصوف ، فإنّك إذا قلت : زيد العاقل وسكتّ لم يفد ما لم تذكر خبره ويكون التّقدير : ما لكم من إله غيره في الوجود» (٤).
قال ابن الخطيب (٥) : اتّفق النّحويّون على أنّ قولنا : «لا إله إلّا الله» لا بد فيه من إضمار ، والتّقدير : لا إله في الوجود إلا الله ولا إله لنا إلا الله ، ولم يذكروا على هذا الكلام حجّة ، فنقول : لم لا يجوز أن يقال : دخل حرف النّفي على هذه الحقيقة وعلى هذه الماهيّة ، فيكون المعنى أنّه لا تحقق لحقيقة الإلهية إلا في حقّ الله تعالى ، وإذا حملنا الكلام على هذا المعنى استغنينا عن الإضمار الذي ذكروه.
فإن قالوا : صرف النفي إلى الماهيّة لا يمكن ؛ لأنّ الحقائق لا يمكن نفيها ، فلا يمكن أن يقال : لا سواد بمعنى ارتفاع هذه الماهيّة ، وإنّما الممكن أن يقال : إنّ تلك
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٨٤ ، والحجة ٤ / ٣٩ ، ٤٠ ، وحجة القراءات ٢٨٦ ، وإعراب القراءات ١ / ١٨٩ ، وشرح شعلة ٣٩٢ ، وشرح الطيبة ٤ / ٣٠٠ ، والعنوان ٩٦ ، وإتحاف ٢ / ٥٢.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١١٣ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٤١٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٢٤ ، والدر المصون ٣ / ٢٨٧.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٣٢٣.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٢٠.
(٥) المصدر السابق.