الأوّل : أمرهم بعبادة الله ، والمقصود منه إثبات التّكليف.
الثاني : أنّه حكم أن لا إله غير الله ، والمقصود منه الإقرار بالتّوحيد ، ثم قال عقيبه : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، وهذا هو الدّعوى الثّالثة ، وعلى هذا التّقدير فقد ادّعى الوحي والنّبوّة من عند الله ، ولم يذكر على صحّة واحد منها دليلا ولا حجّة ، فإن كان قد أمرهم بالإنذار بها على سبيل التّقليد فهذا باطل ؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ ملأ القرآن من ذمّ التقليد ، فكيف يليق بالرّسول المعصوم الدّعوة إلى التقليد؟! وإن كان قد أمرهم بالإقرار بها مع ذكر الدّليل ، فهذا غير مذكور.
فالجواب : أن الله ـ تعالى ـ ذكر في أوّل السّورة دلائل التّوحيد والنّبوّة وصحّة المعاد ، وذلك تنبيه منه تعالى على أنّ أحدا من الأنبياء لا يدعو إلى هذه الأصول إلا بذكر الحجّة والدّليل أقصى ما في الباب أنّه تعالى ما حكى عن نوح في هذا المقام ذكر تلك الدّلائل لما كانت معلومة(١).
قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦١)
قوله : «قال الملأ».
قال ابن عطية (٢) : وقرأ ابن عامر : «الملؤ» بواو ، وهي كذلك في مصاحف الشّام ، وهذه القراءة ليست مشهورة عنه قال المفسّرون (٣) : الملأ : الكبراء والسّادات الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء ، ويدلّ على ذلك قوله : «من قومه» ؛ لأنّه يقتضي التّبعيض ، وذلك البعض لا بدّ وأن يكونوا موصوفين بصفة لأجلها استحقّوا هذا الوصف بأن يكونوا هم الذين يملئون صدور المجالس ، وتمتلىء القلوب من هيبتهم ، وتمتلىء الأبصار من رؤيتهم ، وهذه الصّفات لا تحصل إلا في الرّؤساء.
قوله : «إنّا لنراك» يجوز أن تكون الرّؤية قلبية فتتعدى لاثنين ثانيهما «في ضلال» ، وأن تكون البصريّة وليس بظاهر فالجارّ حال ، وجعل الضّلال ظرفا مبالغة في وصفهم له بذلك ، وزادوا في المبالغة بأن أكّدوا ذلك بأن صدّروا الجملة ب «إنّ» وفي خبرها اللّام.
وقوله : (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) الضّلال ، والضّلالة : العدول عن الحق.
فإن قيل : قولهم : إنّا لنراك في ضلال جوابه أن يقال : ليس في ضلال فلم أجاب بقوله «ليس بي ضلالة».
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٢١.
(٢) ينظر : إعراب القراءات ١ / ١٩٣ ، وحجة القراءات ٢٨٧ ، والعنوان ٩٦ ،
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٢٢.