وقيل : أعلم أنّه يعاقبكم في الآخرة عذابا شديدا ، خارجا عمّا تتصوّرة عقولكم.
وقيل : أعلم من توحيد الله وصفات جلاله ما لا تعلمون. والمقصود من ذكر هذا الكلام : حمل القوم على أن يرجعوا إليه في طلب تلك العلوم.
واعلم أنّ نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أزال تعجبهم وقال : إنّه تعالى خالق الخلق ، فله بحكم الإلهية أن يأمر عبيده ببعض الأشياء وينهاهم عن بعضها ، ولا يجوز أن يخاطبهم بتلك التّكاليف من غير واسطة ؛ لأنّ ذلك ينتهي إلى حدّ الإلجاء ، وهو ينافي التّكليف ، ولا يجوز أن يكون ذلك الرسول من الملائكة ، لما تقدّم في «الأنعام» في قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] ، فلم يبق إلا أن إيصال التّكاليف إلى الخلق بواسطة إنسان يبلغهم ، وينذرهم ويحذرهم ، وهذا جواب شبههم (١).
قوله : (أَوَعَجِبْتُمْ) ألف استفهام دخلت على واو العطف ، وقد تقدّم الخلاف في هذه الهمزة السّابقة على الواو ، وقدّر الزمخشري على قاعدته معطوفا عليه محذوفا تقديره : أكذّبتم وعجبتم (أَنْ جاءَكُمْ) أي : من أن جاءكم ، فلما حذف الحرف جرى الخلاف المشهور.
(مِنْ رَبِّكُمْ) صفة ل «ذكر».
«على رجل» : قال ابن قتيبة : «[قال الفرّاء](٢) : يجوز أن تكون على حذف مضاف ، أي : على لسان رجل».
وقيل : على بمعنى «مع» ، أي : مع رجل فلا حذف.
وقيل : لا حاجة إلى حذف ، ولا إلى تضمين حرف ؛ لأنّ المعنى أنزل إليكم ذكر على رجل ، وهذا أولى ؛ لأنّ التّضمين في الأفعال أحسن منه في الحروف لقوّتها وضعف الحروف.
فصل في معنى «الذكر»
قال ابن عبّاس : الذّكر الموعظة (٣).
وقال الحسن : إنه الوحي الّذي جاءهم به (٤).
وقيل : المراد بالذّكر المعجز.
وقيل : بيان (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) أي تعرفون نسبه ، فهو منكم نسبا.
«لينذركم» أي : لأجل أن ينذركم عذاب الله.
(وَلِتَتَّقُوا) أي : لكي تتّقوا.
(وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : لكي تتّقوا.
(وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : لكي ترحموا.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١٢٤.
(٢) سقط من أ.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ١٦٩).
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ١٢٤).