وأمّا هو فاشتهر في ألسنة النّحاة أنه عربيّ ، وفيه نظر ؛ لأنّ الظّاهر من كلام سيبويه (١) لمّا عدّه مع نوح ، ولوط أنّه أعجمي ، ولأن : أبا البركات النّسّابة الشّريف حكى : أن أهل اليمن تزعم أنّ يعرب بن قحطان بن هود هو أوّل من تكلّم بالعربيّة وسمّيت به العرب عربا ، وعلى هذا يكون «هود» أعجميا ، وإنّما صرف لما ذكر في أخوته نوح ولوط.
وهود اسمه عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح.
فصل في نسب هود
اتّفقوا [على] أن هودا ما كان أخاهم في الدّين ، واختلفوا في أنّه هل كان هناك قرابة أم لا.
قال الكلبيّ : «كان واحدا منهم» (٢).
وقال آخرون : كان من غيرهم ، وذكروا في تفسير هذه الأخوة وجهين (٣) :
الأول : قال الزّجّاج (٤) : كان من بني آدم ، ومن جنسهم ، لا من الملائكة ، ويكفي هذا القدر في تسمية الأخوة ، والمعنى : أنّا بعثنا إلى عاد واحدا من جنسهم ، ليكون الفهم والأنس بكلامه وأفعاله أكمل ، ولم يبعث إليهم من غير جنسهم مثل ملك أو جني.
قال ابن إسحاق : وكان أوسطهم نسبا ، وأفضلهم حسنا.
روي أن عادا كانت ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الرّمال ، وكانوا أهل بساتين وزروع وعمارة ، وكانت بلادهم أخصب البلاد ، فسخط الله عليهم ؛ فجعلهم مفاوز لأجل عبادتهم الأصنام ، ولحق هود حين أهلك قومه بمن آمن معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا.
الثاني : «أخاهم» أي صاحبهم ، ورسولهم ، والعرب تسمّي صاحب القوم أخا القوم ، ومنه قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) [الأعراف : ٣٨] أي : صاحبتها ، وقال عليه الصّلاة والسّلام : «إن أخا صداء قد أذن» يريد صاحبهم (٥).
فصل في مكان قوم عاد
اعلم أنّ عادا قوما كانوا باليمن بالأحقاف.
قال ابن إسحاق : «والأحقاف : الرّمل الذي بين عمان إلى حضرموت» (٦).
واعلم أن ألفاظ هذه القصّة موافقة للألفاظ المذكورة في قصّة نوح ـ عليهالسلام ـ إلا في أشياء :
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ / ١٩.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ١٢٦).
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٢٦.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) أخرجه أبو داود ١ / ٣٥٢ كتاب الصلاة : باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر (٥١٤) والترمذي في السنن ١ / ٣٠٣ ـ ٣٨٤ كتاب الصلاة : باب من أذن فهو يقيم (١٩٩). وابن ماجه ١ / ٢٣٧ كتاب الأذان : باب السنة في الأذان (٢١٧) والبيهقي ١ / ٣٩٩ كتاب الصلاة : باب الرجل يؤذن ويقيم غيره.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ٢ / ١٢٦.