وقال ابن عطيّة (١) : وتحتمل الآية أن يكون المعنى : فما آلت دعاويهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى الاعتراف ؛ كقول الشاعر : [الطويل]
٢٤٠٣ ـ وقد شهدت قيس فما كان نصرها |
|
قتيبة إلّا عضّها بالأباهم (٢) |
و «إذ» منصوب ب «دعواهم».
وقوله : (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) «كنّا» وخبرها في محل رفع خبر ل «إنّ» ، و «إنّ» وما في حيزها (٣) في محل نصب محكيا ب «قالوا» ، و «قالوا» وما في حيزه لا محل له لوقوعه صلة ل «إنّ» ، و «أنّ» وما في حيزها (٣) في محلّ رفع ، أو نصب على حسب ما تقدّم من كونها اسما ، أو خبرا.
ومعنى الآية : أنّهم لم يقدروا على ردّ العذاب ، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالخيانة حين لا ينفع الاعتراف.
قوله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(٦)
القائم مقام الفاعل الجار والمجرور وفي كيفيّة النظم وجهان (٤) :
الأول : أنه تعالى لمّا أمر الرّسول أولا بالتبليغ ثم أمر الأمة بالقبول ، والمتابعة ، وذكر التّهديد على ترك القبول والمتابعة ، بذكر نزول العذاب في الدّنيا ـ أتبعه بنوع آخر من التّهديد وهو أنه تعالى يسأل الكل عن كيفية أعمالهم يوم القيامة.
الثاني : أنه تعالى لما قال : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أتبعه أنه لا يقتصر على الاعتراف منهم يوم القيامة ، بل ينضاف إليه أنّه تعالى يسأل الكلّ عن كيفيّة أعمالهم ، وبين أن هذا السؤال لا يختصّ بأهل العقاب ، بل هو عامّ بأهل العقاب والثّواب ، ونظيره قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣].
فإن قيل : المقصود من السّؤال أن يخبر المسئول عن كيفية أعمالهم ، وقد أخبر عنهم أنهم يقرون بأنهم كانوا ظالمين فما فائدة السّؤال بعده؟ وأيضا قال تعالى بعد هذه الآية : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) [الأعراف : ٧] فإذا كان يقصّه عليهم بعلم فما معنى هذا السؤال؟
فالجواب : أنّهم لمّا أقرّوا بأنّهم كانوا ظالمين مقصّرين سألوا بعد ذلك عن سبب الظّلم ، والتّقصير ، والمقصود منه التّقريع والتّوبيخ.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٧٤.
(٢) البيت للفرزدق ينظر : ديوانه ٢ / ٣١١ ، المقتضب ٤ / ٩٠ ، اللسان (بهم) ، البحر المحيط ٤ / ٢٨٠ ، الدر المصون ٣ / ٢٣٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٧٤.
(٣) في أ : خبرها.
(٣) في أ : خبرها.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٩ ـ ٢٠.