الثاني : لعلّه يثبت سائر المعجزات ، إلّا أنّ القوم التمسوا من صالح هذه المعجزة نفسها على سبيل الاقتراح ، فأظهرها الله تعالى لهم ، فلهذا المعنى حسن هذا التخصيص.
قوله : «فذروها تأكل» أي : العشب في أرض الله ، أي : ناقة الله ، [فذروها تأكل في أرض ربّها ، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم.
قوله «في أرض الله» (١)] الظاهر تعلقه ب «تأكل».
وقيل : يجوز تعلقه بقوله : «فذروها» ، وعلى هذا فتكون المسألة من التّنازع وإعمال الثّاني ، ولو أعمل الأوّل لأضمر في الثّاني فقال : «تأكل فيها في أرض الله» وانجزم «تأكل» جوابا للأمر وقد تقدّم الخلاف في جازمه : هل هو نفس الجملة الطّلبيّة أو أداة مقدّرة؟.
وقرأ أبو جعفر (٢) : «تأكل» برفع الفعل على أنّه حال ، وهو نظير : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) [مريم : ٥ ، ٦] رفعا وجزما.
قوله : «ولا تمسّوها بسوء» أي لا يمسوها بسوء الظاهر أن «الباء» للتعدية ، أي : لا توقعوا عليها سوءا ولا تلصقوه بها. ويجوز أن تكون للمصاحبة ، أي : لا تمسّوها حال مصاحبتكم للسّوء.
قوله : «فيأخذكم» نصب على جواب النّهي ، أي : لا تجمعوا بين المسّ بالسّوء وبين أخذ العذاب إيّاكم ، وهم وإن لم يكن أخذ العذاب لهم من صنعهم إلا أنّهم تعاطوا أسبابه.
قال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب : «أشقى الأوّلين عاقر ناقة صالح ، وأشقى الآخرين قاتلك» (٣).
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٧٤)
قيل : لمّا أهلك الله ـ تعالى ـ عاد عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وعمّروا أعمارا طوالا.
قوله : (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) بوّأه : أنزله منزلا ، والمباءة المنزل ، وتقدّمت هذه
__________________
ـ صحيحه لم ينفرد به هشيم ، فقد رواه أبو عوانة عن أبي بشر أيضا. وله طرق أخرى ذكرتها في المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر انتهى. وأقول بما تقدم من رواية هذا الحديث عن أنس أيضا يعلم ما في قول القرطبي في التذكرة لم يروه أحد غير ابن عباس فتأمل والله أعلم.
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر الكشاف ٢ / ١٢١ ، ١٢٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٣١ ، والدر المصون ٣ / ٢٩٢.
(٣) أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٣ / ١ / ٢٣).