قال ابن أبي ربيعة : [الطويل]
٢٥٠٨ ـ ولمّا رأيت الحجّ قد حان وقته |
|
وظلّت جمال الحيّ بالقوم ترجف (١) |
والإرجاف إيقاع الرّجفة ، وجمعه الأراجيف ، ومنه «الأراجيف ملاقيح الفتن».
وقوله : (تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) [النازعات : ٦].
كقوله : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١].
ومنه : [الطويل]
٢٥٠٩ ـ تحيي العظام الرّاجفات من البلى |
|
فليس لداء الرّكبتين طبيب (٢) |
قوله : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) [يعني في بلدهم ، كما يقال : دار الحرب ، ودار البزّازين].
الجثوم : اللّصوق بالأرض من جثوم الطّائر والأرنب ، فإنّه يلصق بطنه بالأرض ، ومنه رجل جثمة وجثّامة كناية عن النّؤوم الكسلان ، وجثمان الإنسان شخصه قاعدا وقال أبو عبيد : «الجثوم للنّاس والطير كالبرول للإبل» وأنشد لجرير : [الوافر]
٢٥١٠ ـ عرفت المنتأى وعرفت منها |
|
مطايا القدر كالحدأ الجثوم (٣) |
قال الكرمانيّ : حيث ذكرت الرجفة وحدت الدّار ، وحيث ذكرت الصيحة جمعت الدار ، لأنّ الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكبر وأبلغ من الزلزلة ، فذكر كل واحد بالأليق [به] وقيل : في دارهم أي في بلدهم كما تقدّم ، وقيل : المراد بها الجنس.
فصل في بيان فائدة موضع الفاء في الآية
الفاء في «فأخذتهم» للتّعقيب ، وقوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) يقتضي أنّ الرّجفة أخذتهم عقيب قولهم : (ائْتِنا بِما تَعِدُنا) وليس الأمر كذلك لقوله تعالى في آية أخرى : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥].
فالجواب : أنّ أسباب الهلاك وجدت عقيب قولهم : (ائْتِنا بِما تَعِدُنا) ، وهو أنّهم اصفرت وجوههم في اليوم الأوّل ، واحمرّت في اليوم الثاني ، واسودّت في اليوم الثالث ، فكان ابتداء العذاب متعقبا قولهم.
ويمكن أن تكون عاطفة على الجملة من قوله : «فائتنا» أيضا وذلك على تقدير قرب زمان الهلاك من زمان طلب الإتيان. ويجوز أن يقدر ما يصحّ العطف عليه بالفاء ، والتقدير : فوعدهم العذاب بعد ثلاث فانقضت فأخذتهم.
__________________
(١) البيت ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣١٩ ، القرطبي ٧ / ٢٤٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٩٦.
(٢) البيت ينظر : اللسان (رجف) ، الدر المصون ٣ / ٢٩٦.
(٣) البيت لجرير ينظر : ديوانه ٢١٧ ، مجاز القرآن ١ / ٢١٨ ، الدر المصون ٣ / ٢٩٦.