فصل في دحض شبهة للملاحدة
لا يلتفت إلى ما ذكره بعض الملاحدة في قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ، وفي موضع آخر (الصَّيْحَةُ) [هود : ٦٧] ، وفي موضع آخر (بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة : ٥] واعتقد ما لا يجوز من وجوب التناقض إذ لا منافاة بين ذلك فإن الرجفة مترتبة على الصّيحة ؛ لأنّه لمّا صيح بهم ؛ رجفت قلوبهم فماتوا ، فجاز أن يسند الإهلاك إلى كل منهما.
وأمّا «بالطّاغية» فالباء للسببية ، والطّاغية : الطغيان مصدر كالعاقبة ، ويقال للملك الجبّار : طاغية ، والتّاء فيه كعلّامة ونسّابة ، ففي أهلكوا بالطاغية ، أي : بطغيانهم كقوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) [الشمس : ١١].
قال أبو مسلم (١) : «الطّاغية : اسم لكلّ ما تجاوز عن حدّه سواء كان حيوانا أو غير حيوان ، قال تعالى في الحيوان : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) [العلق : ٦] ، وقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) [الشمس : ١١].
وقال في غير الحيوان : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) [الحاقة : ١١] أي : غلب وتجاوز عن الحدّ.
فصل في شهود الناقة
قيل إنّ القوم قد شاهدوا خروج النّاقة من الصخرة ، وذلك معجزة قاهرة تلجىء المكلف ، وأيضا شاهدوا الماء الذي كان شربا لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين ، كان شربا لتلك النّاقة الواحدة في اليوم الثّاني ، وذلك معجزة قاهرة تقرب المكلف من الإلجاء.
وأيضا إنّ القوم لما نحروها توعدهم صالح بالعذاب ، وشاهدوا صدقه على ما روي أنّهم احمروا في اليوم الأوّل ، واصفرّوا في اليوم الثّاني ، واسودّوا في اليوم الثالث ، مع مشاهدة تلك المعجزة (٢) العظيمة ، ثم شاهدوا علامات نزول العذاب الشديد في آخر الأمر ، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مصرّا على كفره؟
فالجواب : أن يقال : إنّهم قبل مشاهدتهم تلك العلامات من نزول العذاب كانوا يكذبون ، فلما نزلت بهم أول علامات العذاب وشاهدوها خرجوا عند ذلك عن حد التكليف فلم تكن توبتهم مقبولة.
قوله : «فأصبحوا» يجوز أن تكون النّاقصة و «جاثمين» خبرها و «في دارهم» متعلّق به ، ولا يجوز أن يكون الجارّ خبرا و «جاثمين» حال ، لعدم الفائدة بقولك : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) ، وإن جاز الوجهان في قولك : أصبح زيد في الدّار جالسا.
ويجوز أن تكون التامة ، أي : دخلوا في الصباح ، و «جاثمين» حال ، والأول أظهر.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٣٥.
(٢) في أ : المعجزات.