قوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ).
قيل : إنه تولى عنهم بعد موتهم لقوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فَتَوَلَّى) و «الفاء» تقتضي التعقيب.
وقيل : تولّى عنهم قبل موتهم لقوله : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) فدلّ ذلك على كونهم أحياء من ثلاثة أوجه :
[الأول] : قوله لهم : «يا قوم» ، والأموات لا يوصفون بالقوم ، لاشتقاق لفظ القوم من القيام ، وهو مفقود في حقّ الميت.
والثاني : أنّ هذه الكلمات خطاب معهم ، وخطاب الميت لا يجوز.
والثالث : قوله : (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) يقتضي كونهم بحيث تصحّ حصول المحبّة فيهم.
ويمكن الجواب : بأنّه قد يقول الرّجل لصاحبه الميت ، وقد كان نصحه فلم يقبل النّصيحة ، حتى ألقى نفسه في الهلاك : يا أخي منذ كم نصحتك فلم تقبل ، وكم منعتك فلم تمتنع ، فكذا هاهنا.
وفائدته : إمّا لأن يسمعه الحيّ فيعتبر به ، وينزجر عن مثل تلك الطريقة ، وإما لإحراق (١) قلبه بسبب تلك الواقعة ، فإذا ذكر ذلك الكلام فرّجت تلك القضية من قلبه.
وذكروا جوابا آخر ، وهو أن صالحا ـ عليهالسلام ـ خاطبهم بعد كونهم «جاثمين» ، كما خاطب نبينا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قتلى «بدر».
فقيل : تتكلم مع هؤلاء الجيف؟ فقال : «ما أنتم بأسمع منهم ، ولكن لا يقدرون على الجواب».
وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، تقديره : فتولّى عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربّي ، فأخذتهم الرجفة.
قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)(٨١)
قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) القصة. في نصب «لوطا» وجهان :
أحدهما : أنه منصوب ب «أرسلنا» الأوّل ، و «إذ» ظرف الإرسال.
والثاني : أنّه منصوب بإضمار «اذكر» ، وفي العامل في الظرف حينئذ وجهان :
أحدهما ـ وهو قول الزمخشريّ أنّه بدل من «لوطا» قال : «بمعنى : واذكر وقت إذ قال لقومه» وهذا على تسليم تصرف «إذ».
__________________
(١) في أ : لاحتراق.