وجاء في النمل [٥٥] (تَجْهَلُونَ) دلالة على أنّ جهلهم يتجدد كل وقت ولموافقة رءوس الآي فإنها أفعال.
فصل في الإسراف
معنى «مسرفون» أي : يتجاوزون الحلال إلى الحرام.
قال الحسن : «كانوا لا ينكحون إلا الغرباء» (١).
وقال الكلبيّ : «إنّ أوّل من عمل عمل قوم لوط إبليس ؛ لأنّ بلادهم أخصبت فانتجعها (٢) أهل البلدان ، فتمثل لهم إبليس في صورة شابّ ، ثم دعا إلى دبره فنكح في دبره ، فأمر الله ـ تعالى ـ السّماء أن تحصبهم ، والأرض أن تخسف بهم (٣).
قوله تعالى : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (٨٢)
قوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) العامّة على نصب «جواب» خبرا للكون ، والاسم «أن» وما في حيّزها وهو الأفصح ؛ إذ فيه جعل الأعراف اسما.
وقرأ الحسن (٤) «جواب» بالرّفع ، وهو اسمها ، والخبر «إلّا أن قالوا» وقد تقدّم ذلك.
وأتى هنا بقوله «وما» ، وفي النّمل [٥٦] والعنكبوت [٢٤] «فما» ، والفاء هي الأصل في هذا الباب ؛ لأنّ المراد أنّهم لم يتأخر جوابهم عن نصيحته ، وأما الواو فالتعقيب أحد محاملها ، فتعيّن هنا أنّها للتعقيب لأمر خارجي وهي العربية في السّورتين المذكورتين لأنّها اقتضت ذلك بوضعها.
قوله : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي : أخرجوا لوطا وأتباعه ، (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي : يتنزهون عن أدبار الرّجال.
وقيل : «يتطهّرون» يتباعدون عن المعاصي والآثام.
وقيل : «يتطهّرون» أي على سبيل السخرية بهم ، كما يقول بعض الفسقة لمن وعظه من الصلحاء : أبعدوا عنّا هذا المتقشّف ، وأريحونا من هذا المتزهّد (٥).
قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)(٨٣)
المراد ب «أهله» : أنصاره وأتباعه.
__________________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره (٧ / ١٥٦) عن الحسن.
(٢) النّجعة : عند العرب : المذهب في طلب الكلإ في موضعه. ينظر اللسان (نجع).
(٣) ذكره القرطبي في تفسيره ٧ / ١٥٦.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٢٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٣٧ ، والدر المصون ٣ / ٢٩٨.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ١٣٩).