ومعنى الآية أنّهم كانوا يجلسون على الطّريق فيقولون لمن يريد الإيمان بشعيب : إنّ شعيبا كذاب فلا يفتننّك عن دينك ، ويتوعدون المؤمنين بالقتل ، ويخوفونهم.
قال الزمخشريّ (١) : قوله : «ولا تقعدوا بكلّ صراط» أي : ولا تقتدوا بالشّيطان في قوله: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : والمراد من قوله : «صراط» كلّ ما كان من مناهج الدّين ويدلّ عليه قوله : (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
قوله : «واذكروا» إمّا أن يكون مفعوله محذوفا ، فيكون هذا الظّرف معمولا لذلك المفعول أي : اذكروا نعمة الله عليكم في ذلك الوقت ، وإمّا أن يجعل نفس الظرف مفعولا به. قاله الزمخشريّ.
وقال ابن عطية (٢) : «إنّ «الهاء» في «به» يجوز أن تعود على شعيب عند من يرى أنّ القعود على الطريق للردّ عن شعيب ، وهو بعيد ؛ لأن القائل : «ولا تقعدوا» هو شعيب ، وحينئذ كان التركيب «من آمن بي» ، والادّعاء بأنّه من باب الالتفات بعيد جدا ؛ إذ لا يحسن أن يقال : «[يا] هذا أنا أقول لك لا تهن من أكرمه» أي : من أكرمني.
قوله : (إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ).
قل الزّجّاج : «هذا الكلام يحتمل ثلاثة أوجه : كثر عددكم بعد القلّة ، وكثركم بالغنى بعد الفقر ، وكثركم بالقوة بعد الضعف» قال السدي : «كانوا عشارين» (٣).
[قوله] : (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
«كيف» وما في حيّزها معلّقة للنظر عن العمل ، فهي وما بعدها في محل نصب على إسقاط الخافض.
والنظر هنا التفكّر ، و «كيف» خبر كان ، واجب التقديم.
والمعنى : انظر كيف كان عاقبة المفسدين أي : جزاء قوم لوط من الخزي والنكال وعذاب الاستئصال.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(٨٧)
قوله : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) أي : اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين مؤمنين ومكذبين ، و «طائفة» الثانية عطف على «طائفة» الأولى فهي اسم كان و (لَمْ يُؤْمِنُوا) معطوف على «آمنوا» الذي هو خبر كان ، عطفت
__________________
(١) ينظر الكشاف ٢ / ١٠٢٨.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٢٧.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٩٠) وعزاه لأبي الشيخ عن مجاهد.