اسما على اسم ، وخبرا على خبر ، ومثله لو قلت : «كان عبد الله ذاهبا وبكر خارجا» ، عطفت المرفوع على مثله ، وكذلك المنصوب ، وقد حذف وصف طائفة الثانية لدلالة وصف الأولى عليه ، إذ التقدير : «طائفة منكم لم يؤمنوا» ، وحذف أيضا متعلق الإيمان في الثانية ، لدلالة الأولى عليه ، إذ التقدير : لم يؤمنوا بالذي أرسلت به ، والوصف بقوله : منكم الظاهر أو المقدّر هو الذي سوّغ وقوع «طائفة» اسما ل «كان» من حيث أن الاسم في هذا الباب كالمبتدأ ، والمبتدأ لا يكون نكرة إلا بمسوّغ تقدم التنبيه عليه.
قوله «فاصبروا» يجوز أن يكون الضمير للمؤمنين من قومه ، وأن يكون للكافرين منهم ، وأن يكون للفريقين ، وهذا هو الظاهر أمر المؤمنين بالصبر ليحصل لهم الظفر والغلبة ، والكافرون مأمورون به لينصر الله عليهم المؤمنين لقوله : (قُلْ تَرَبَّصُوا) [الطور : ٣١] ، أو على سبيل التنازل معهم أي : اصبروا فستعلمون من ينتصر ومن يغلب مع علمه بأن الغلبة له و «حتى» بمعنى «إلى» فقط.
وقوله «بيننا» غلّب ضمير المتكلم على المخاطب ، إذ المراد بيننا جميعا من مؤمن وكافر ، ولا حاجة إلى ادّعاء حذف معطوف تقديره : بيننا وبينكم. ثم قال : (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أي : أنه حاكم منزه عن الجور والميل والحيف.
قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩)
قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) هم الرؤساء (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) ونخرج أتباعك من قريتنا.
وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) عطف على الكاف ، و «يا شعيب» اعتراض بين المتعاطفين.
قوله : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) عطف على جواب القسم ، إذ التقدير : والله لنخرجنّك والمؤمنين أو لتعودنّ ، فالعود مسند إلى ضمير النبي ومن آمن معه.
فإن قيل : إن شعيبا لم يكن قطّ على دينهم ولا ملتهم ، فكيف يحسن أن يقال : «أو لتعودن في ملتنا» ، وقوله : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) يدل أيضا على ذلك؟.
فالجواب : أن «عاد» في لسان العرب لها استعمالان :
أحدهما ـ وهو الأصل ـ أنه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول.
والثاني : استعمالها بمعنى «صار» ، وحينئذ ترفع الاسم وتنصب الخبر ، فلا تكتفي بمرفوع وتفتقر إلى منصوب ، [وهذا عند بعضهم] ومنهم من منع أن تكون بمعنى «صار» ، فمن مجيئها بمعنى «صار» قوله : [الطويل]