أنه يجوز نصبه ، يعني أنّه لو قرىء به لكان جائزا ، وهذا أيضا لا حاجة إليه.
قوله : «موازينه» فيها قولان :
أحدهما : أنّها جمع ميزان : الآلة [التي] يوزن بها ، وإنّما جمع ؛ لأن كلّ إنسان له ميزان يخصّه على ما جاء في التّفسير ، أو جمع باعتبار الأعمال الكثيرة وعبّر عن هذا الحال بالمحل.
والثاني : أنّها جمع موزون ، وهي الأعمال ، والجمع حينئذ ظاهر. قيل : إنّما جمع الميزان ههنا ، وفي قوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء : ٤٧] ؛ لأنّه لا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان ، ولأفعال الجوارح ميزان ، ولما يتعلق بالقول ميزان.
وقال الزّجّاج (١) : إنّما جمع الموازين ههنا لوجهين :
الأوّل : أنّ العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد فيقولون : خرج فلان إلى مكّة راكبا البغال.
والثاني : أن الموازين ههنا جمع موزون لا جمع ميزان.
قال القرطبيّ (٢) : والموازين جمع ميزان وأصله : «موزان» قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها.
فصل في المراد بالميزان
قال مجاهد والأعمش والضّحّاك : المراد بالميزان العدل والقضاء (٣) ، وذهب إلى هذا القول كثير من المتأخّرين قالوا : لأنّ لفظ الوزن على هذا المعنى شائع في اللّغة ؛ لأن العدل في الأخذ والإعطاء لا يظهر إلّا بالكيل ، والوزن في الدّنيا ، فلم يبعد جعل الوزن كناية عن العدل ، ويؤيّد ذلك أنّ الرّجل إذا لم يكن له قدر ولا قيمة عند غيره يقال : إنّ فلانا لا يقيم لفلان وزنا. قال تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [الكهف : ١٠٥] ، ويقال هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه ، أي : يعادله ويساويه مع أنّه ليس هناك وزن في الحقيقة ؛ قال الشّاعر : [الكامل]
٢٤٠٥ ـ قد كنت عند لقائكم ذا قوّة |
|
عندي لكلّ مخاصم ميزانه (٤) |
أي عندي لكل مخاصم كلام يعادل كلامه ، فجعل الوزن مثلا للعدل وإذا ثبت هذا فنقول: المراد من الآية هذا المعنى فقط ، والدّليل عليه أنّ الميزان إنّما يراد ليتوصل به
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٤ / ٢٣.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٠٨.
(٣) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» ١٤ / ٢٢.
(٤) ينظر : اللسان (وزن) ، والقرطبي ١٧ / ٥٨ ، والرازي ١٤ / ٢٢.