فصل في الدلالة من الآية
دلّت الآية على أشياء : منها : أن ذلك العذاب إنما حدث بتخليق فاعل مختار لا بتأثير الكواكب والطبيعة ، وإلا لحصل في أتباع شعيب كما حصل للكفّار.
[ومنها أنها تدل على أن ذلك الفاعل المختار عالم بجميع الجزئيات حتى يمكن التمييز بين المطيع والعاصي](١).
ومنها : أنها تدل على المعجز العظيم في حق شعيب ـ عليهالسلام ـ ؛ لأن العذاب النازل من السماء لما وقع على قوم دون قوم مع كونهم مجموعين في بلدة واحدة كان ذلك من أعظم المعجزات.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)(٩٤)
قوله : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) «كيف» هنا مثل «كيف» في : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) [البقرة : ٢٨] وتقدم الكلام على «آسى» وبابه (٢).
وقرأ ابن وثاب (٣) وابن مصرّف والأعمش : «إيسى» بكسر الهمزة التي هي حرف مضارعة ، وتقدم أنها لغة بني أخيل في «الفاتحة» ، ولزم من ذلك قلب الفاء بعدها ياء ؛ لأن الأصل أأسى بهمزتين.
والأسى : شدة الحزن قال العجّاج : [الرجز]
٢٥٢٩ ـ وانحلبت عيناه من فرط الأسى (٤)
والأسى : الصبر.
وفي المعنى قولان :
الأول : أنه اشتد حزنه على قومه ، لأنهم كانوا كثيرين ، وكان يتوقع منهم الإيمان ، فلمّا نزل بهم الهلاك العظيم حصل في قلبه من جهة القرابة والمجاورة وطول الألفة حزن ، ثم عزى نفسه وقال : «كيف آسى على قوم كافرين» ، لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بإصرارهم على الكفر.
الثاني : أنّ المعنى : لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنّصيحة والتّحذير مما حلّ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر : تفسير الآية (٢٦) من سورة المائدة.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٣١ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٤٩ ، والدر المصون ٣ / ٣٠٧.
(٤) ينظر : الرازي ١٤ / ١٤٩.