وقرأ نافع وابن عامر (١) وابن كثير «أو» بسكون الواو والباقون بفتحها ، ففي القراءة الأولى تكون «أو» بجملتها حرف عطف ومعناها حينئذ التقسيم.
قال ابن الخطيب (٢) : تستعمل على ضربين :
أحدهما : أن تكون بمعنى أحد الشّيئين كقوله : زيد أو عمرو جاءك ، والمعنى : أحدهما جاء.
والثاني : أن تكون للإضراب عمّا قبلها كقولك : «أنا أخرج» ثم تقول : «أو أقيم» أضربت عن الخروج وأثبت الإقامة ، كأنك قلت : لا بل أقيم ، فوجه هذه القراءة أنّه جعل «أو» للإضراب ، لا على أنّه أبطل الأوّل.
وزعم بعضهم أنّها للإباحة والتّخيير ، وليس بظاهر.
وفي القراءة الثّانية هي واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام مقدّمة عليها لفظا ، وإن كانت بعدها تقديرا عند الجمهور.
وقد عرف مذهب الزّمخشريّ في ذلك ، ومعنى الاستفهام هنا : التّوبيخ ، والتّقريع.
وقال أبو شامة وغيره : «إنّه بمعنى النّفي».
وكرّرت الجملة في قوله تعالى : (أَوَأَمِنَ أَهْلُ) : (أَفَأَمِنُوا) توكيدا لذلك ، وأتي في الجملة الثّانية بالاسم ظاهرا ، وحقّه أن يضمر مبالغة في التّوكيد.
قوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)(٩٩)
ومعنى (مَكْرَ اللهِ) أي إضافة المخلوق إلى الخالق كقولهم : ناقة الله ، وبيت الله ، والمراد به فعل يعاقب به الكفرة ، وأضيف إلى الله لمّا كان عقوبة الذّنب ، فإنّ العرب تسمّي العقوبة على أي جهة كانت باسم الذّنب الذي وقعت عليه العقوبة.
قال ابن عطيّة : «وهو تأويل حسن».
وقال البغويّ (٣) : «مكر الله : استدراجه إيّاهم بما أنعم عليهم في دنياهم».
وقد تقدّم في آل عمران في قوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [الآية : ٥٤] أنّه من باب المقابلة أيضا.
و «الفاء» في قوله : (فَلا يَأْمَنُ) للتّنبيه على أنّ العذاب يعقب أمن مكر الله.
قال ابن الخطيب (٤) : «وقوله : «مَكْرَ اللهِ» المراد أن يأتيهم عذابه من حيث لا
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٨٧ ، والحجة للقراء السبعة ٤ / ٥٢ ، وإعراب القراءات ١ / ١٩٦ ، وحجة القراءات ٢٨٩ ، والعنوان ٩٦ ، وشرح شعلة ٣٩٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ٣٠٢ ، وإتحاف ٢ / ٥٥.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٥١.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ١٨٤.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٥١.