يشعرون ، قاله على وجه التّحذير ، وسمى هذا العذاب مكرا توسّعا ؛ لأنّ الواحد منا إذا أراد المكر بصاحبه فإنه يوقعه في البلاء من حيث لا يشعر».
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(١٠٠)
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ) يريد كبراء مكّة.
قرأ الجمهور : «يهد» بالياء من تحت ، وفي فاعله حينئذ ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنّه المصدر المؤوّل من «أن» وما في حيّزها ، والمفعول محذوف ، والتقدير : أو لم يهد أي يبين ويوضح للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم ، وإصابتنا إيّاهم بذنوبهم لو شئنا ذلك ، فقد سبكنا المصدر من «أن» ومن جواب لو.
والثاني : أنّ الفاعل هو ضمير الله تعالى ، أي : أو لم يبيّن الله ويؤيّده قراءة (١) من قرأ «نهد» بالنون.
الثالث : أنّه ضمير عائد على ما يفهم من سياق الكلام ، أي : أو لم يهد ما جرى للأمم السّالفة كقولهم : إذا كان غدا فأتني أي : إذا كان ما بيني وبينك مما دلّ عليه السّياق.
وعلى هذين الوجهين ، ف «أن» وما في حيّزها بتأويل مصدر كما تقدّم في محلّ المفعول والتّقدير : أو لم يبين ويوضّح الله أو ما جرى للأمم إصابتنا إيّاهم بذنوبهم أي : بعقاب ذنوبهم لو شئنا ذلك.
وقرأ مجاهد وقتادة ويعقوب (٢) : «نهد» بنون العظمة و «أن» مفعول فقط ، و «أن» هي المخفّفة من الثّقيلة و «لو» فاصلة بينها وبين الفعل ، وقد تقدّم أنّ الفصل بها قليل.
و «نشاء» وإن كان مضارعا لفظا فهو ماض معنى ؛ لأنّ «لو» الامتناعية تخلّص المضارع للمضيّ.
وفي كلام ابن الأنباريّ خلافه ، فإنّه قال في «ونطبع» : «هذا فعل مستأنف ومنقطع مما قبله ؛ لأنّ قوله : «أصبنا» ماض و «نطبع» مستقبل ثم قال : ويجوز أن يكون معطوفا على «أصبنا» إذ كان بمعنى نصيب ، والمعنى : «لو يشاء يصيبهم ويطبع» ، فوضع الماضي موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال كقوله تعالى : (إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ) [الفرقان : ١٠] [أي :] يجعل ، بدليل قوله : «ويجعل لك» ، وهذا ظاهر قويّ في أن «لو» هذه لا تخلّص المضارع للمضيّ ، وتنظيره بالآية الأخرى مقوّ له أيضا ، وسيأتي تحقيق ذلك عند قوله : «ونطبع».
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٥١ ، والدر المصون ٣ / ٣١٠ ، وفيه نسبها إلى مجاهد.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٥١ ، الدر المصون ٣ / ٣١٠ ، وفيه نسبها إلى مجاهد.