«فإذا» فجائية وقد تقدّم أنّ فيها مذاهب ثلاثة :
ظرف مكان ، أو زمان ، أو حرف.
وقال ابن عطية (١) هنا : «وإذا ظرف مكان في هذا الموضع عند المبرّد (٢) من حيث كانت خبرا عن جثة ، والصّحيح الذي عليه النّاس أنّها ظرف زمان في كلّ موضع».
قال شهاب الدّين (٣) : «والمشهور عند النّاس قول المبرد ، وهو مذهب سيبويه» (٤).
وأمّا كونها زمانا فهو مذهب الرّياشي ، وعزي لسيبويه أيضا.
وقوله : «من حيث كانت خبرا عن جثّة» ليست هي هنا خبرا عن جثّة ، بل الخبر عن «هي» لفظ «ثعبان» لا لفظ «إذا».
والثّعبان هو ذكر الحيّات العظيم ، واشتقاقه من ثعبت المكان أي : فجّرته بالماء ، شبّه في انسيابه بانسياب الماء ، يقال : ثعبت الماء فجّرته فانثعب. ومنه مثعب المطر ، وفي الحديث : «جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما» (٥).
فصل
فإن قيل إنّه وصفها هنا بكونها ثعبانا ، وهو العظيم الهائل الخلق ، وفي موضع آخر يقول : (كَأَنَّها جَانٌ) [النمل : ١٠] ، والجان من الحيّات الخفيف الضّئيل الخلق ، فكيف الجمع بين هاتين الصّفتين؟
وقد أجاب الزّمخشريّ في غير هذا المكان بجوابين :
أحدهما : أنّه يجمع لها بين الشيئين : أي كبر الجثّة كالثّعبان وبين خفّة الحركة ، وسرعة المشي كالجان.
والثاني : أنّها في ابتداء أمرها تكون كالجان ، ثمّ يتعاظم ويتزايد خلقها إلى أن تصير ثعبانا.
وفي وصف الثّعبان بكونه مبينا وجوه (٦) :
أحدها : أنّه تمييز ذلك عمّا جاءت به السّحرة من التمويه الذي يلتبس على من لا يعرف سببه.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٣٦.
(٢) ينظر : المقتضب ٣ / ٥٦.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣١٦.
(٤) ينظر : الكتاب ٢ / ٣١١.
(٥) أخرجه مالك (٢ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤) كتاب الجهاد : باب الترغيب في الجهاد (١) والبخاري (٦ / ٢٠) كتاب الجهاد والسير : باب تمني الشهادة حديث (٢٧٩٧) ومسلم (٣ / ١٤٩٥ ـ ١٤٩٦) كتاب الإمارة : باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله حديث (١٠٣ / ١٨٧٦) من حديث أبي هريرة.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٥٩.