وثانيها : أنّهم شاهدوا كونه حيّة ، فلم يشتبه الأمر عليهم فيه.
وثالثها : أنّ الثّعبان أبان قول موسى عليهالسلام عن قول المدعي الكاذب.
قوله تعالى : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)(١٠٨)
النّزع في اللّغة عبارة عن إخراج الشّيء عن مكانه ، فقوله : «نزع يده» أي أخرجها من جيبه ومن جناحه ، بدليل قوله : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) [النمل : ١٢] ، وقوله : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) [طه : ٢٢].
قوله : «فإذا هي بيضاء» قال ابن عباس : «كان لها نور ساطع يضيء بين السّماء والأرض» (١) ، واعلم أنّه لمّا كان البياض كالعيب بيّن تعالى في غير هذه الآية أنّه كان من غير سوء.
قوله : «للنّاظرين» متعلق بمحذوف لأنّه صفة ل «بيضاء» وقال الزّمخشريّ (٢) : «فإن قلت : بم تعلق للناظرين؟ قلت : يتعلّق ب «بيضاء» والمعنى : فإذا هي بيضاء للنّظارة ، ولا تكون بيضاء للنّظّارة إلا إذا كان بياضها بياضا عجيبا خارجا عن العادة ، يجتمع النّاس للنّظر إليه ، كما يجتمع النّظّارة للعجائب».
وهذا الذي ذكره الزمخشريّ تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وكيف يريد تفسير الإعراب؟ وإنّما أراد التعلّق المعنويّ لا الصّناعي ، كقولهم : هذا الكلام يتعلق بهذا الكلام. أي إنّه من تتمّة المعنى له.
فإن قيل : إنّ المعجز الواحد كان كافيا فالجمع بينهما كان عبثا.
فالجواب : أنّ كثرة الدّلائل توجب القوّة في النّفس ، وسيأتي في سورة طه ـ إن شاء الله تعالى ـ أن انقلاب العصا أعظم من اليد البيضاء.
قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ)(١٠٩)
اعلم أنّه سبحانه وتعالى أسند القول في هذه السّورة إلى الملأ ، وفي «الشعراء» [٣٤] أسند القول إلى فرعون في قوله : «قال للملأ حوله» ، وأجاب الزّمخشريّ عن ذلك بثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون هذا الكلام صادرا منه ومنهم ، فحكى هنا عنهم وفي الشّعراء عنه.
والثاني : أنّه قاله ابتداء ، وتلقّته عنه خاصّته فقالوه لأعقابهم.
والثالث : أنّهم قالوه عنه للنّاس على طريق التّبليغ ، كما يفعل الملوك ، يرى الواحد منهم الرّأي فيبلغه الخاصّة ، ثم يبلغوه لعامّتهم ، وهذا الثّالث قريب من الثّاني في المعنى.
__________________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره (٧ / ١٦٤) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٣٨.