وقهره ، وإذا كان أصلها مديونة فاستثقلوا حركة الضّمّة على الياء فسكنوها ، ونقلوا حركتها إلى ما قبلها ، فاجتمع ساكنان : الواو والمزيدة الّتي هي واو المفعول ، والياء التي هي من نفس الكلمة ، فحذفت الواو ؛ لأنّها زائدة ، وحذف الزّائد أولى من حذف الحرف الأصلي ، ثم كسروا الدّال لتسلم الياء ، فلا تنقلب واوا لانضمام ما قبلها ، فتختلط ذوات الواو بذوات الياء ، وهكذا تقول في المبيع والمخيط والمكيل فلا ينقلب واوا لانضمام ما قبلها ذوات الواو ، والخلاف جار في المحذوف ، هل هو الياء الأصليّة؟ أو الواو الزائدة؟
الأوّل قول الأخفش ، والثّاني قول المازني ، وهو مذهب جماهير النّحاة.
فصل في تعريف «المدينة»
المدينة معروفة ، وهي البقعة المسورة المستولي عليها ملك وأراد مدائن صعيد مصر ، أي : أرسل إلى هذه المدائن رجالا يحشرون إليك من فيها من السّحرة ، وكان رؤساء السّحرة بأقصى مدائن الصّعيد.
ونقل القاضي (١) عن ابن عباس أنّهم كانوا سبعين ساحرا سوى رئيسهم ، وكان الذي يعلمهم رجلين مجوسيّين من أهل «نينوى» بلدة يونس ـ عليه الصّلاة والسّلام (٢) ـ ، وهي قرية بالموصل.
قال ابن الخطيب : «وهذا النّقل مشكل ؛ لأنّ المجوس أتباع زرادشت ، وزرادشت إنّما جاء بعد موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ.
قوله تعالى : (يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ)(١١٢)
قرأ الأخوان (٣) هنا وفي سورة «يونس» [٧٩] «سحّار» والباقون «ساحر» ، فسحّار للمبالغة وساحر يحتملها ، ولا خلاف في التي في «الشّعراء» أنها سحّار مثال مبالغة.
واختلفوا في السّاحر والسحّار : فقيل : السّاحر الذي يعلم السّحر ولا يعلم ، والسحّار الذي يعلم.
وقيل : السّاحر من يكون سحره في وقت دون وقت ، والسحّار من يديم السحر.
و «الباء» في قوله : «بكلّ» يحتمل أن تكون باء التّعدية ويحتمل أن تكون بمعنى مع.
وقال ابن عباس وابن إسحاق والسّدّيّ : إنّ فرعون اتخذ علمه من بني إسرائيل ، فبعث بهم إلى قرية يقال لها : الفرما يعلموهم فعلموهم سحرا كثيرا ، فلما بعث إلى
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٦٣.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ١٦٣).
(٣) ينظر : السبعة ٢٨٩ ، والحجة ٤ / ٦٣ ، ٦٤ ، وإعراب القراءات ١ / ١٩٩ ، وحجة القراءات ٢٩١ ، ٢٩٢ ، والعنوان ٩٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٣٠٣ ، وشرح شعلة ٣٩٤ ، وإتحاف ٢ / ٥٧.