السّحرة جاءوا ومعلمهم معهم (١). وهذه الآية تدلّ على كثرة السّحرة في ذلك الزّمان ، وذلك يدلّ على صحّة قول المتكلّمين من أنه تعالى يجعل معجزة كل نبيّ من جنس ما كان غالبا على أهل ذلك الزمان ، فلما كان السّحر غالبا على أهل زمان موسى كانت معجزته من جنس السحر. ولما كان الطبّ غالبا على أهل زمان عيسى كانت معجزته من جنس الطبّ. ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد صلىاللهعليهوسلم كانت معجزته من جنس الفصاحة.
قوله تعالى : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ)(١١٣)
وحذف ذكر الإرسال لعلم السّامع.
وفي قوله : (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) وجهان :
أظهرهما : أنّها لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها استئناف جواب لسؤال مقدر ، ولذلك لم تعطف بالفاء على ما قبلها.
قال الزمخشريّ (٢) : فإن قلت : هلا قيل : «وجاء السّحرة فرعون فقالوا».
قلت : هو على تقدير سائل سأل : ما قالوا إذ جاءوه؟ فأجيب بقوله قالوا : «أإن لنا لأجرا» وهذا قد سبقه إليه الواحديّ (٣) إلّا أنه قال : «ولم يقل «فقالوا» لأنّ المعنى لما جاءوا قالوا» فلم يصحّ دخول الفاء على هذا الوجه.
والوجه الثاني : أنّها في محلّ نصب على الحال من فاعل «جاءوا» قاله الحوفي.
وقرأ نافع (٤) وابن كثير وحفص عن عاصم «إنّ» بهمزة واحدة بكسر الألف على الخبر والباقون بهمزتين على الاستفهام. وهم على أصولهم من التحقيق والتسهيل وإدخال ألف بينهما وعدمه.
فقراءة الحرميّين على الإخبار ، وجوّز الفارسيّ (٥) أن تكون على نيّة الاستفهام يدلّ عليه قراءة الباقين.
قال الواحديّ (٦) : الاستفهام أحسن في هذا الموضع ؛ لأنّهم أرادوا أن يعلموا هل لهم أجر أم لا ، ولا يقطعون على أن لهم الأجر ، ويقوي ذلك إجماعهم في سورة «الشعراء» على الاستفهام.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠) عن ابن عباس وابن إسحاق والسدي.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٣٩.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٦٤.
(٤) ينظر : السبعة ٢٨٩ ، والحجة ٤ / ٦٤ ، وإعراب القراءات ١ / ٢٠٠ ، وحجة القراءات ٢٩٢ ، وإتحاف ٢ / ٥٨.
(٥) ينظر : الحجة ٤ / ٦٥.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٦٣.