قال الفرّاء والكسائيّ (١) في باب «أمّا» : و «إمّا» إذا كنت آمرا أو ناهيا أو مخبرا فهي مفتوحة ، وإذا كنت مشترطا أو شاكّا أو مخيرا فهي مكسورة ، تقول في المفتوحة : أمّا الله فاعبده ، وأما الخمر فلا تشربها وأما زيد فقد خرج ، فإن كنت مشترطا فتقول : إمّا تعطينّ زيدا فإنه يشكرك قال تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ) [الأنفال : ٥٧] ، وتقول في الشّكّ : لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو ، وتقول في التّخيير : لي في الكوفة دار إما أن أسكنها وإمّا أن أبيعها.
والفرق بين «إمّا» إذا كانت للشكّ وبين «أو» أنك إذا قلت : «جاءني زيد أو عمرو» فقد يجوز أن تكون قد بنيت كلامك على اليقين ثم أدركك الشّك فقلت : أو عمرو ، فصار الشك فيهما ، فأوّل الاسمين في «أو» يجوز أن يحسن السكوت عليه ، ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر ؛ ألا ترى أنّك تقول : قام أخوك وتسكت ثم تشكّ فتقول : أو أبوك.
وإذا ذكرت «إمّا» فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك ، فلا يجوز أن تقول : ضربت إمّا عبد الله وتسكت. وفي محل : «أن تلقي وإمّا أن نكون» ثلاثة أوجه :
أحدها : النصب بفعل مقدّر أي : افعل إمّا إلقاءك وإما إلقاءنا ، كذا قدّره أبو حيّان ، وفيه نظر ؛ لأنّه لا يفعل إلقاءهم فينبغي أن يقدّر فعلا لائقا بذلك وهو اختر أي : اختر إمّا إلقاءك وإمّا إلقاءنا.
وقدره مكي (٢) وأبو البقاء (٣) فقالا : «إمّا أن تفعل الإلقاء».
قال مكّيّ : كقوله : [البسيط]
٢٥٤٢ ـ قالوا : الرّكوب فقلنا : تلك عادتنا |
|
.......... (٤) |
بنصب «الركوب» إلا أنّه جعل النّصب مذهب الكوفيين.
الثاني : الرفع على خبر ابتداء مضمر تقديره : أمرك إمّا إلقاؤك وإما إلقاؤنا.
الثالث : أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره إمّا إلقاؤك مبدوء به ، وإمّا إلقاؤنا مبدوء به.
فإن قيل : كيف دخلت «أن» في قوله : «إمّا أن تلقي» وسقطت من قوله : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٦].
فالجواب قال الفراء : دخول «أن» في «إما» في هذه الآية لأنها في موضع الأمر بالاختيار ، وهي في موضع نصب كقولك : اختر ذا أو ذا ، كأنّهم قالوا : اختر أن تلقي أو نلقي ، وفي آية التّوبة ليس فيها أمر بالتخيير ؛ ألا ترى أنّ الأمر لا يصلح هاهنا فلذلك لم يكن فيه «أن».
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٦٥.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٣٢٥.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٨٢.
(٤) تقدم.