فما الفائدة فيه مع أن الإيمان يجب أن يكون متقدّما على السّجود؟.
فالجواب ، من وجوه ، أحدها : أنّهم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا لله تعالى في الحال ، وجعلوا ذلك السّجود شكرا لله تعالى على الفوز بالمعرفة والإيمان ، وعلامة على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان ، وإظهارا للتّذلل ، فكأنّهم جعلوا ذلك السّجود الواحد علامة على هذه الأمور.
وثانيها : لا يبعد أنّهم عند الذهاب إلى السّجود قالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ).
فصل
فإن قيل : لمّا قالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) دخل موسى وهارون في جملة العالمين ، فما فائدة تخصيصهما بعد ذلك؟.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن التقدير آمنا برب العالمين ، وهو الذي دعا إلى الإيمان به وبموسى وهارون.
الثاني : خصّهما بالذّكر تشريفا ، وتفضيلا كقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨].
قوله : «آمنتم» اختلف القرّاء في هذا الحرف هنا ، وفي طه وفي الشعراء ، فبعضهم جرى على منوال واحد ، وبعضهم قرأ في موضع بشيء لم يقرأ به في غيره ، وهم في ذلك على أربع مراتب.
الأولى : قراءة الأخوين (١) ، وأبي بكر عن عاصم بتحقيق الهمزتين في السّور الثّلاث من غير إدخال ألف بينهما ، وهو استفهام إنكار ، وأمّا الألف الثّالثة فالكلّ يقرءونها كذلك ، لأنّها فاء الكلمة ، أبدلت لسكونها بعد همزة مفتوحة ، وذلك أنّ أصل هذه الكلمة أأأمنتم بثلاث همزات: الأولى للاستفهام ، والثّانية همزة «أفعل» ، والثّالثة فاء الكلمة ، فالثّالثة يجب قلبها ألفا ، لما تقدم أوّل الكتاب ، وأمّا الأولى فمحقّقه ليس إلّا ، وأمّا الثّانية فهي الّتي فيها الخلاف بالنّسبة إلى التّحقيق والتّسهيل.
الثانية : قراءة حفص وهي «آمنتم» بهمزة واحدة بعدها الألف المشار إليها في جميع القرآن ، وهذه القراءة تحتمل الخبر المحض المتضمّن للتّوبيخ ، وتحتمل الاستفهام المشار إليه ، ولكنه حذف لفهم المعنى ، ولقراءة الباقين.
الثالثة : قراءة نافع وابن عمرو وابن عامر والبزّي عن ابن كثير وهي تحقيق الأولى ، وتسهيل الثانية بين بين ، والألف المذكورة ، وهو استفهام إنكاري ، كما تقدم.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، والحجة ٤ / ٦٨ ـ ٧١ ، وإعراب القراءات ١ / ٢٠١ ـ ٢٠٣ ، وحجة القراءات ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، والعنوان ٩٧ ، وإتحاف ٢ / ٥٨ ـ ٥٩.