قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(١١)
لما ذكر كثرة نعم الله على العبد أتبعه بذكر أنّه خلف أبانا [آدم] وجعله مسجود الملائكة ، والإنعام على الأب يجري مجرى الإنعام على الابن.
واختلف النّاس في «ثمّ» في هذين الموضعين : فمنهم من لم يلتزم [فيها] ترتيبا ، وجعلها بمنزلة «الواو» فإنّ خلقنا وتصويرنا بعد قوله تعالى للملائكة «اسجدوا».
ومنهم من قال : هي للتّرتيب لا في الزمان بل للترتيب في الإخبار ولا طائل في هذا.
ومنهم من قال : هي للتّرتيب الزّمانيّ ، وهذا هو موضوعها الأصليّ.
ومنهم من قال : الأولى للتّرتيب الزّمانيّ والثّانية للتّرتيب الإخباريّ.
واختلفت عبارة القائلين بأنّها للتّرتيب في الموضعين فقال بعضهم : إنّ ذلك على حذف مضافين ، والتقدير : ولقد خلقنا آباءكم ثم صوّرنا آباءكم ثم قلنا ، ويعني بأبينا آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإنّما خاطبه بصيغة الجمع وهو واحد تعظيما له ، ولأنه أصل الجميع ، والتّرتيب أيضا واضح.
وقال مجاهد : المعنى خلقناكم في ظهر آدم ثم صوّرناكم حين أخذنا عليكم الميثاق (١). رواه عنه أبو جريج وابن أبي نجيح.
قال النّحّاس : وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ثمّ صوّرهم حين أخذ عليهم الميثاق ، ثمّ كان السّجود [بعد ذلك](٢) ويقوّي هذا قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الأعراف : ١٧٢].
وفي الحديث أنّه أخرجهم أمثال الذّرّ ، فأخذ عليهم الميثاق (٣).
وقال بعضهم : المخاطب بنو آدم ، والمراد بهم أبوهم وهذا من باب الخطاب لشخص ، والمراد به غيره كقوله : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة : ٤٩] ، وإنّما المنجّى والذي كان يسام سوء العذاب أسلافهم. وهذا مستفيض في لسانهم. وأنشدوا على ذلك : [الطويل]
٢٤٠٩ ـ إذا افتخرت يوما تميم بقوسها |
|
وزادت على ما وطّدت من مناقب |
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٣٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٣٤) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) في أ : بعده.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٢٧٢.