فالجواب : أنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لمّا جاء وعدهم بزوال تلك المضار فظنّوا أنّها تزول على الفور ، فلّما رأوا أنّها ما زالت رجعوا إليه في معرفة كيفية ذلك الوعد ، فبيّن لهم موسى ـ عليهالسلام ـ أن الوعد بإزالتها لا يوجب الفور ، بل لا بدّ أن يستنجز ذلك الوعد في الوقت المقدر له.
فالحاصل أنّ هذا ما كان نفرة عن مجيء موسى بالرّسالة ، بل استكشافا لكيفية ذلك.
فعند هذا قال موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ).
قال سيبويه : «عسى» طمع وإشفاق. قال الزّجّاج : وما يطمع الله فيه فهو واجب.
ولقائل أن يقول : هذا ضعيف ؛ لأنّ لفظ «عسى» ههنا ليس كلام الله بل هو حكاية عن كلام موسى ، ويجاب بأنّ هذا الكلام إذا صدر عن الرسول الذي ظهرت نبوته بالمعجزات أفاد قوة اليقين فقوّى موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قلوبهم بهذا القول وحقّق عندهم الوعد ليصبروا ويتركوا الجزع المذموم.
قال القرطبي (١) : «جدّد لهم الوعد وحقّقه. وقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان ـ عليهما الصّلاة والسّلام ـ ، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون كما تقدم ، وروي أنهم قالوا ذلك حين خرج بهم موسى ، وتبعهم فرعون ، فكان وراءهم ، والبحر أمامهم ، فحقّق الله الوعد : بأن غرق فرعون وقومه ، وأنجاهم».
ثمّ بيّن بقوله : (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ما يجري مجرى الحثّ له على التّمسّك بطاعة الله.
واعلم أنّ النظر قد يراد به النّظر الذي يفيد العلم ، وهو على الله محال ، وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئيّ التماسا لرؤيته وهو أيضا على الله محال ، وقد يراد به الرّؤية ، ويجب حمل اللّفظ ههنا عليها.
قال الزّجّاج : أي يرى ذلك بوقوع ذلك منكم ، لأنّ الله تعالى لا يجازيهم على ما يعلمه منهم وإنّما يجازيهم على ما يقع منهم.
فإن قيل : إذا حملتم هذا النّظر على الرّؤية لزم الإشكال ، لأن الفاء في قوله : «فينظر» للتعقيب ، فيلزم أن تكون رؤية الله لتلك الأعمال متأخرة عن حصول تلك الأعمال ، وذلك يوجب حدوث صفة في ذات الله.
فالجواب : أن المعنى تعلّق رؤية الله تعالى بذلك الشّيء ، والتّعلق نسبة حادثة ، والنّسب والإضافات ؛ لا وجود لها في الأعيان ، فلم يلزم حدوث الصّفة الحقيقية في ذات الله تعالى.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٦٨.