ويؤيّد ذلك ما في سورة يوسف [الآية ٤٧] : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً).
ثم قال : (سَبْعٌ شِدادٌ) فهذا في الجدب.
وقال : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ).
وقوله : (مِنَ الثَّمَراتِ) متعلّق ب «نقص».
قال قتادة : أمّا السنون فلأهل البوادي ، وأمّا نقص الثّمرات فلأهل الأمصار.
(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) يتّعظون ، وذلك لأنّ الشدة ترقق القلوب ، وترغب فيما عند الله.
قال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ).
فصل
قال القاضي : هذه الآية تدلّ على أنّه تعالى فعل ذلك لإرادة أن يذكّروا وأن لا يقيموا على كفرهم ، وأجاب الواحديّ : «بأنّه قد جاء لفظا الابتلاء ، والاختبار في القرآن لا بمعنى أنّه تعالى يمتحنهم ، لأنّ ذلك على الله محال ، بل إنّه تعالى عاملهم معاملة تشبه الابتلاء ، والامتحان ، فكذا ههنا».
ثم بيّن أنّهم عند نزول تلك المحن عليهم يزيدون في الكفر ، والمعصية.
فقال : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ).
قال ابن عبّاس : يريد بالحسنة : العشب ، والخصب ، والمواشي ، والثّمار وسعة الرزق ، والعافية ، أي : نحن أهلها ومستحقّوها على العادة فلم يشكروا ويقوموا لله بحق (١) النّعمة. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي : قحط وجدب وبلاء ومرض. «يطّيّروا بموسى ومن معه» أي : يتشاءموا بموسى ، ومن معه ، ويقولوا : إنّما أصابنا هذا الشّرّ بشؤم موسى وقومه.
قال سعيد بن جبير ومحمّد بن المنكدر : كان ملك فرعون أربعمائة سنة ، وعاش ستمائة وعشرين سنة لا يرى مكروها ، ولو كان حصل له في تلك المدّة جوع يوم أو حمى ليلة أو وجع ساعة لما ادّعى الرّبوبيّة قط (٢).
فصل
أتى في جانب الحسنة ب «إذا» الّتي للمحقق ، وعرّفت الحسنة ، لسعة رحمة الله تعالى ، ولأنّها أمر محبوب ، كلّ أحد يتمناه ، وأتى في جانب السيئة ب «إن» التي للمشكوك فيه ، ونكّرت السيئة ، لأنّه أمر كل أحد يحذره. وقد أوضح الزمخشري ذلك فقال : فإن قلت : كيف قيل فإذا جاءتهم الحسنة ب «إذا» وتعريف الحسنة و (إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) ب «إن» وتنكير السيئة؟
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ١٧٤) عن ابن عباس.
(٢) تقدم.