قال الزمخشريّ : (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) جواب «لمّا» يعني : فلمّا كشفنا عنهم العذاب فاجؤوا بالنّكث وبادروه ولم يؤخّروه ، ولكن لمّا كشف عنهم نكثوا.
قال أبو حيان : «ولا يمكن التّغيية مع ظاهر هذا التقدير». انتهى. يعني فلا بدّ من تأويل الكشف بالاستمرار ، كما تقدّم ، حتّى يصحّ ذلك. وهذه الآية تردّ مذهب من يدّعي في «لمّا» أنّها ظرف ، إذ لا بدّ لها حينئذ من عامل ، وما بعد «إذا» لا يعمل فيما قبلها ، كما تحرّر في موضعه.
وقرأ أبو حيوة (١) وأبو هاشم «ينكثون» بكسر الكاف ، والجمهور على الضّمّ ، وهما لغتان في المضارع.
والنّكث : النّقض ، وأصله : من نكث الصّوف المغزول ليغزل ثانيا ، وذلك المنكوث : نكث ك : ذبح ، ورعي. والجمع : أنكاث ، فاستعير لنقض العهد بعد إحكامه وإبرامه كما في خيوط الأكسية إذا نكثت بعدما أبرمت ، وهذا من أحسن الاستعارات.
قوله : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) هذه الفاء سببيّة ، أي : تسبّب عن النّكث الانتقام ثم إن أريد بالانتقام نفس الإغراق ، فالفاء الثّانية مفسّرة عند من يثبت لها ذلك وإلّا كان التقدير : فأردنا الانتقام ، والانتقام في اللّغة : سلب النعمة بالعذاب.
و «في اليمّ» متعلق ب «أغرقناهم» ، واليمّ : البحر ، والمشهور أنّه عربيّ.
قال ذو الرّمّة : [البسيط]
٢٥٦٤ ـ داويّة ودجى ليل كأنّهما |
|
يمّ تراطن في حافاتها الرّوم (٢) |
وقال ابن قتيبة : إنّه البحر بالسّريانيّة.
وقيل : بالعبرانيّة. والمشهور أنه لا يتقيّد ببحر خاص قال الزمخشري : اليمّ : البحر الذي لا يدرك قعره.
وقيل : هو لجّة البحر ومعظم مائه.
وقال الهرويّ ـ في «غريبيه» ـ : واليمّ : البحر الذي يقال له : إساف وفيه غرق فرعون. وهذا ليس بجيد ، لقوله تعالى : (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) [القصص : ٧] والمراد : نيل مصر ، وهو غير الذي غرق فيه فرعون.
فصل
قيل : واشتقاقه من التيمم ، وهو القصد ، لأنّ النّاس يقصدونه.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٣٢.
(٢) ينظر ديوانه ١ / ٤١٠ ، شرح المفصل لابن يعيش ٥ / ١٥٤ ، البحر ٤ / ٣٦٣ جامع البيان ١٣ / ٧٤ ، اللسان : رطن ، الدر المصون ٣ / ٣٣٢.