يكن من الملائكة ؛ لأنه خلق من نار والملائكة من نور لا يستكبرون عن عبادته ، ولا يستحسرون(١) ، و [هو ليس كذلك فقد عصى إبليس واستكبر ، والملائكة ليسوا من الجنّ وإبليس من الجنّ ، والملائكة رسل الله ، وإبليس ليس كذلك ، وإبليس أوّل خليقة الجنّ وأبوهم كما أنّ آدم أوّل خليقة الإنس وأبوهم ، وإبليس له ذرّيّة والملائكة لا ذرّيّة لهم.
قال الحسن : ولمّا كان إبليس مأمورا مع الملائكة استثناه الله وكان اسم إبليس شيئا آخر فلما عصى الله سمّاه بذلك ، وكان مؤمنا عابدا في السّماء حتّى عصى الله ؛ فأهبط إلى الأرض](٢).
قوله : «لم يكن» هذه الجملة استثنافيّة ؛ لأنها جواب سؤال مقدّر ، وهذا كما تقدّم في قوله في البقرة «أبى» وتقدّم أنّ الوقف على إبليس.
وقيل : فائدة هذه الجملة التّوكيد لما أخرجه الاستثناء من نفي سجود إبليس.
وقال أبو البقاء (٣) : إنّها في محلّ نصب على الحال أي : إلّا إبليس حال كونه ممتنعا من السّجود ، وهذا كما تقدّم (٤) له في البقرة من أن «أبى» في موضع نصب على الحال.
قوله تعالى : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(١٢)
في «لا» هذه وجهان :
أظهرهما : أنها زائدة للتوكيد.
قال الزّمخشريّ (٥) : «لا» في «ألّا تسجد» صلة بدليل قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [سورة ص ٧٥] ومثلها (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩] بمعنى ليعلم ، ثم قال : فإن قلت ما فائدة زيادتها؟
قلت : توكيد بمعنى الفعل الذي يدخل عليه ، وتحقيقه كأنه قيل : يستحق علم أهل الكتاب ، وما منعك أن تحقق السّجود ، وتلزمه نفسك إذ أمرتك؟. وأنشدوا على زيادة «لا» قول الشّاعر : [الطويل]
٢٤١٠ ـ أبى جوده لا البخل واستعجلت نعم |
|
به من فتى لا يمنع الجود نائلة (٦) |
يروى «البخل» بالنصب والجر ، والنصب ظاهر الدلالة في زيادتها ، تقديره : أبى جوده البخل. وأمّا رواية الجر فالظّاهر منها عدم الدلالة على زيادتها ، ولا حجّة في هذا البيت على زيادة «لا» في رواية النّصب ، ويتخرّج على وجهين :
__________________
(١) في أ : ولا يعصون.
(٢) تقدم في البقرة.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٩.
(٤) أي لأبي البقاء. ينظر الإملاء ١ / ٣٠.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٨٩.
(٦) تقدم.