الثالث : أنّه منصوب على الظّرف.
قال ابن عطيّة : «ويصحّ أن يكون أربعين ظرفا من حيث هي عدد أزمنة» ، وفي هذا نظر ، كيف يكون ظرفا للتّمام ، والتّمام إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة؟ إلا بتجوّز بعيد ، وهو أنّ كلّ جزء من أجزاء الوقت سواء كان أولا أم آخرا إذا نقص ذهب التّمام.
الرابع : أن ينتصب على التّمييز.
قال أبو حيّان (١) : والأصل : فتمّ أربعون ميقات ربّه ، ثمّ أسند التّمام إلى ميقات وانتصب أربعون على التّمييز. فهو منقول من الفاعليّة ، يعني فيكون كقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] وهذا الذي قاله وجعله هو الذي يظهر يشكل بما ذكره هو في الرّدّ على الحوفيّ ؛ حيث قال هناك «إنّ الثلاثين لم تكن ناقصة ، فتتمّ» لذلك ينبغي أن يقال هنا : إن الأربعين لم تكن ناقصة فتتم فكيف يقدّر : فتمّ أربعون ميقات ربّه؟ فإن أجاب هنا بجواب ، فهو جواب هناك لمن اعترض عليه.
وقوله : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) في هذه الجملة قولان.
أظهرهما : أنّها للتأكيد ؛ لأنّ قوله قبل ذلك : (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) فهم أنّها أربعون ليلة.
وقيل : بل هي للتّأسيس ، لاحتمال أن يتوهّم متوهّم بعشر ساعات ، أو غير ذلك ، وهو بعيد.
وقوله ربّه ولم يقل : ميقاتنا جريا على «واعدنا» لما في إظهار هذا الاسم الشّريف من الاعتراف بربوبية الله له وإصلاحه له.
فصل
روي أنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وعد بني إسرائيل وهو بمصر : إن أهلك الله عدوّهم ؛ أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون ، فلمّا هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فهذه الآية في بيان كيفية نزول التّوراة.
فصل
فإن قيل : «الأربعون» المذكورة في البقرة : هي هذه الأربعون المفصّلة ههنا ، فما فائدة التّفصيل؟ فالجواب من وجوه :
الأول : أنّه تعالى أمر موسى بصوم ثلاثين يوما ، وهو شهر ذي القعدة فلمّا تمّ الثّلاثين أنكر خلوف فيه فتسوّك فقالت الملائكة : كنا نشم من فيك رائحة المسك ؛ فأفسدته بالسّواك ، فأوحى الله إليه أما علمت أنّ خلوف فم الصّائم أطيب عندي من ريح
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٧٩.