خليفتي في قومي وأصلح وكن مصلحا ، أو وأصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل.
(وَقالَ مُوسى) عند انطلاقه إلى المناجاة لأخيه هارون.
فإن قيل : إن هارون كان شريك موسى ـ عليهما الصّلاة والسّلام ـ في النبوّة ، فكيف جعله خليفة لنفسه ؛ فإن شريك الإنسان أعلى حالا من خليفته ورد الإنسان من منصبه الأعلى إلى الأدنى يكون إهانة له.
فالجواب : أن الأمر ، وإن كان كما ذكرتم ، إلّا أنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كان هو الأصل في تلك النبوّة.
فإن قيل : لما كان هارون نبيّا ، والنّبيّ لا يفعل إلّا الأصلح فكيف وصّاه بالإصلاح؟ فالجواب : أنّ المقصود من هذا الأمر : التّأكيد كقوله تعالى : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠].
قوله : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) اللام في لميقاتنا للاختصاص ، وكذا في قوله تعالى : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] ، وليست بمعنى عند.
قوله : (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) ، هذه الفائدة التي لأجلها حضر موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ الميقات واختلفوا في أنّه تعالى كلّم موسى وحده ، أو مع أقوام آخرين. وظاهر الآية أنّه تعالى كلّمه وحده ؛ لأنّه يدلّ على تخصيص موسى بهذا التّشريف.
وقال القاضي : «بل السّبعون المختارون سمعوا كلام الله ؛ لأن الغرض بإحضارهم أن يخبروا قوم موسى عمّا يجري هناك».
فصل
دلّت الآية على أنّه تعالى يجوز أن يرى ؛ لأنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ سأل الرّؤية ، ولا شكّ أنّه كان عارفا بما يجب ويجوز ويمتنع على الله ، فلو كانت الرّؤية ممتنعة على الله تعالى لما سألها ، وأنكرت المعتزلة ذلك ، والبحث في هذه المسألة مذكور في كتب أصول الدّين.
فصل
نقل عن ابن عبّاس أنه قال : جاء موسى ومعه السّبعون ، وصعد موسى الجبل وبقي السّبعون في أسفل الجبل ، وكلّم الله موسى ، وكتب له في الألواح كتابا وقرّبه نجيّا ، فلمّا سمع موسى صرير القلم عظم شوقه.
فقال : «ربّ أرني أنظر إليك» (١).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٩٠) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٢٠) وعزاه لأبي الشيخ.