قوله : (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ). في هذه الجملة احتمالان :
أحدهما : أنّها نسق على خبر أنّ ، أي : ذلك بأنّهم كذّبوا ، وبأنّهم كانوا غافلين عن آياتنا.
والثاني : أنّها مستأنفة ، أخبر الله تعالى عنهم بأنهم من شأنهم الغفلة عن الآيات وتدبرها.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ)(١٤٨)
قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) في خبره وجهان ، أحدهما : أنّه الجملة من قوله (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) و «(هَلْ يُجْزَوْنَ) ـ خبر ثان ، أو مستأنف والثاني : أنّ الخبر هل يجزون والجملة من قوله حبطت في محلّ نصب على الحال ، و «قد» مضمرة معه ، عند من يشترط ذلك ، وصاحب الحال فاعل كذّبوا.
قوله : ولقاء الآخرة فيه وجهان ، أحدهما : أنّه من باب إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف ، والتقدير : ولقائهم الآخرة. والثاني : أنّه من باب إضافة المصدر للظرف يعني : ولقاء ما وعد الله في الآخرة. ذكرهما الزمخشريّ.
قال أبو حيّان : «ولا يجيز جلّة النّحويين الإضافة إلى الظّرف ، لأنّ الظّرف على تقدير «في» ، والإضافة عندهم على تقدير اللّام ، أو «من» فإن اتّسع في العامل جاز أن ينصب الظرف نصب المفعول ، ويجوز إذ ذاك أن يضاف مصدره إلى ذلك الظّرف المتّسع في عامله ، وأجاز بعض النّحويين أن تكون الإضافة على تقدير «في» كما يفهم ظاهر كلام الزمخشري».
فصل
لمّا ذكر ما لأجله صرف المتكبرين عن آياته وأتبعه ببيان العلّة لذلك الصرف وهو كونهم مكذّبين بالآيات غافلين عنها ، فقد كان يجوز أن يظن أنّهم يختلفون في باب العقاب لأنّ فيهم من يعمل بعض أعمال البرّ ، بيّن تعالى أنه حال جميعهم ، سواء كان متكبرا أو متواضعا ، أو قليل الإحسان ، أو كثير الإحسان ، فقال : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) يعني ذلك بجحدهم للميعاد وجراءتهم على المعاصي ، فبيّن تعالى أنّ أعمالهم محيطة.
قوله : هل يجزون هذا الاستفهام معناه النّفي ، لذلك دخلت : «إلّا» ولو كان معناه التقرير لكان موجبا ، فيبعد دخول «إلّا» أو يمتنع.
وقال الواحديّ هنا : «لا بد من تقدير محذوف أي : إلّا بما كانوا أو على ما كانوا ، أو جزاء ما كانوا» وتقريره : أنّ نفس ما كانوا يعملونه لا يجزونه إنّما يجزون بمقابله.