سكت رفعوا رؤوسهم. وقال وهب : كان يجوز ولا يتحرّك.
وقال السدي : كان يخور ويمشي. ثم قال لهم هذا إلهكم وإله موسى.
فإن قيل لم قال : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى) والمتّخذ هو السّامريّ؟
فالجواب من وجهين : أحدهما : أنّ الله نسب الفعل إليهم ، لأنّ رجلا منهم باشره.
كما يقال : بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا ، والقائل والفاعل واحد ، والثاني : أنّهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به ، فكأنّهم اجتمعوا عليه.
فإن قيل : لم قال : «من حليّهم» ولم يكن الحلي لهم ، وإنّما استعاروها؟
فالجواب : أنّه لمّا أهلك الله قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم ملكا لهم كقوله : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) ـ إلى قوله ـ (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) [الدخان : ٢٥ ـ ٢٨].
فصل
قيل إنّ الذين عبدوا العجل كانوا كل قوم موسى.
قال الحسن : كلهم عبدوا العجل غير هارون ، لعموم هذه الآية.
ولقول موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) [الأعراف : ١٥١] ، فتخصيص نفسه وأخيه بالدّعاء يدلّ على أنّ غيرهما ما كان أهلا للدعاء ، ولو بقوا على الإيمان لما كان الأمر كذلك. وقيل : بل كان منهم من ثبت على إيمانه لقوله تعالى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف : ١٥٩].
قوله : «ألم يروا» إن قلنا : إنّ اتّخذ متعدية لاثنين ، وإنّ الثّاني محذوف ، تقديره : واتّخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا إلها ، فلا حاجة حينئذ إلى ادّعاء حذف جملة يتوجّه عليها هذا الإنكار ، وإن قلنا : إنّها متعدية لواحد بمعنى : صنع وعمل أو متعدية لاثنين ، والثاني هو : من حليّهم فلا بدّ من حذف جملة قبل ذلك ، ليتوجّه عليها الإنكار ، والتقدير : يعبدوه ، ويروا يجوز أن تكون العلمية ، وهو الظّاهر وأن تكون البصرية ، وهو بعيد.
فصل
اعلم أنّه تعالى احتجّ على فساد هذا المذهب وكون العجل إلها بقوله : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) وتقرير هذا الدّليل أنّ هذا العجل لا يمكنه أن يكلّمهم ، ولا يهديهم إلى الصّواب والرّشد ومن كان كذلك كان إمّا جمادا ، وإمّا حيوانا ، وكلاهما لا يصلح للإلهيّة.
ثم قال تعالى : (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله واشتغلوا بعبادة العجل.