قوله : قال بئسما هذا جواب «لمّا» وتقدّم الكلام على «بئسما» ، ولكنّ المخصوص بالذّم محذوف ، والفاعل مستتر يفسّره «ما خلفتموني» والتقدير : بئس خلافة خلفتمونيها خلافتكم.
فصل
فإن قيل : ما معنى قوله : «من بعدي» بعد قوله «خلفتموني»؟
فالجواب : معناه : من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ، ونفي الشّركاء ، وإخلاص العبادة له ، أو من بعد ما كتب : احمل بني إسرائيل على التّوحيد ، وامنعهم من عبادة البقر حين قالوا : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ، ومن حقّ الخلفاء أن يسيروا سيرة المستخلفين.
قوله : (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) : في «أمر» وجهان ، أحدهما : أنّه منصوب على المفعول بعد إسقاط الخافض ، وتضمين الفعل معنى ما يتعدّى بنفسه ، والأصل : أعجلتم عن أمر ربّكم.
قال الزمخشريّ (١) : يقال : عجل عن الأمر : إذا تركه غير تامّ ، ونقيضه تمّ عليه ، وأعجله عنه غيره ، ويضمّن معنى «سبق» فيتعدّى تعديته.
فيقال : عجلت الأمر ، والمعنى : «أعجلتم عن أمر ربكم».
والثاني : أنّه متعدّ بنفسه غير مضمن معنى آخر ، حكى يعقوب عجلت الشّيء سبقته ، وأعجلت الرّجل : استعجلته ، أي : حملته على العجلة.
فصل
قال الواحدي : «معنى العجلة : التقدم بالشّيء قبل وقته ، ولذلك صارت مذمومة والسّرعة غير مذمومة ، لأنّ معناها : عمل الشّيء في أول أوقاته».
ولقائل أن يقول : لو كانت العجلة مذمومة فلم قال موسى : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤].
قال ابن عبّاس : معنى (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) يعني : ميعاد ربكم فلم تصبروا له (٢) وقال الحسن : وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين (٣) ، وذلك أنّهم قدروا أنّه إن لم يأت على رأس الثّلاثين ، فقد مات.
وقال عطاء : يريد أعجلتم سخط ربّكم (٤).
وقال الكلبي : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم (٥).
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ١٦١.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٠ ـ ١١).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المصدر السابق.