الصّلاة وإلى هذا المجموع أشار بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) ونظيره قوله تعالى في أوّل سورة البقرة (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٢ ، ٣].
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١٥٧)
قوله (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ) في محلّه أوجه :
أحدها : الجر نعتا لقوله (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ).
الثاني : أنّه بدل منه.
الثالث : أنّه منصوب على القطع.
الرابع : أنّه مرفوع على خبر مبتدأ مضمر وهو معنى القطع أيضا.
الخامس : أنه مبتدأ وفي الخبر حينئذ وجهان : أحدهما الجملة الفعليّة من قوله : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ). والثاني : الجملة الأسميّة من قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ذكر ذلك أبو البقاء (١) ، وفيه ضعف بل منع كيف يجعل : «يأمرهم» خبرا وهو من تتمة وصف الرسولصلىاللهعليهوسلم ، أو على أنّه معمول للوجدان عند بعضهم؟ وكيف يجعل (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) خبرا لهذا الموصول؟ والموصول الثاني وهو قوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) يطلبه خبرا ، لا يتبادر الذهن إلى غيره ، ولو تبادر لم يكن معتبرا.
قوله «الأمّيّ» العامّة على ضمّ الهمزة ، نسبة إمّا إلى الأمة وهي أمّة العرب ؛ وذلك لأنّ العرب لا تحسب ولا تكتب ، ومنه الحديث «إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب» ، وإمّا نسبة إلى «الأمّ» وهو مصدر «أمّ يؤمّ» أي : قصد يقصد ، والمعنى على هذا : أن النبيّ الكريم مقصود لكل أحد ، وفيه نظر ؛ لأنه كان ينبغي أن يقال : «الأمّيّ» بفتح الهمزة.
وقد يقال : إنّه من تغيير النّسب ، وسيأتي أنّ هذه قراءة لبعضهم ، وإمّا نسبة إلى «أمّ القرى» وهي مكة وإمّا نسبة إلى الأمّ ، فالأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب على حالة ولادته من أمه.
وقرأ يعقوب (٢) الأمّيّ بفتح الهمزة ، وخرّجها بعضهم ، على أنّه من تغيير النّسب ، كما قالوا في النّسب إلى أميّة : أموي ، وخرّجها بعضهم على أنّها نسبة إلى «الأمّ» وهو القصد ، أي الذي هو على القصد والسّداد ، وقد تقدم ذلك في القراءة الشهيرة ، فكل من القراءتين يحتمل أن تكون مغيّرة من الأخرى.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٢٨٦.
(٢) ينظر : السبعة ٢٩٥ ، والحجة ٤ / ٩٣ ، وإعراب القراءات ١ / ٢١٠ ، وحجة القراءات ٢٩٨ ، وإتحاف ٢ / ٦٥.