تقديمه فلهذا بدأ بقوله : فآمنوا بالله ثم أتبعه بقوله : (وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) وهذا إشارة إلى ذكر المعجزات الدالّة على كونه نبيّا حقّا ؛ لأنّ معجزاته عليه الصلاة والسلام كانت على نوعين :
الأول : المعجزات التي ظهرت في ذاته المباركة وهو كونه أمّيا ، وقد تقدم الكلام على كون هذه الصّفة معجزة.
الثاني : المعجزات الّتي ظهرت من خارج ذاته مثل انشقاق القمر ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وحنين الجذع ونحوها ، وهي تسمى بكلمات الله ، لأنّها أمور عظيمة. ألا ترى أن عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لمّا كان حدوثه أمرا عظيما غريبا مخالفا للعادة ، سمّاه الله كلمة ، فكذلك المعجزات لمّا كانت أمورا غريبة خارقة للعادة لم يبعد تسميتها كلمات ، وهذا هو المراد بقوله (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ).
وقرأ مجاهد (١) وعيسى وكلمته بالتّوحيد ، والمراد بها الجنس كقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد» ويسمّون القصيدة كلها كلمة ، وقد تقدّم.
قال الزمخشريّ (٢) : فإن قلت : هلّا قيل : فآمنوا بالله وبي ، بعد قوله (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)؟.
قلت : عدل عن الضمير ، إلى الاسم الظاهر ، لتجري عليه الصفات التي أجريت عليه ، ولما في طريقة الالتفات من البلاغة ، وليعلم أنّ الذي يجب الإيمان به واتّباعه ، هو هذا الشخص المستقل بأنه النّبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته ، كائنا من كان ، أنا أو غيري إظهارا للنّصفة ، وتفاديا من العصبية لنفسه.
قوله : (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
وهذا الأمر يدلّ على وجوب متابعة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في كلّ ما يأتي به قولا كان أو فعلا أو تركا إلا ما خصه الدّليل.
فصل
فإن قيل : إذا أتى الرّسول بشيء فيحتمل أنه أتى به على سبيل الوجوب ، ويحتمل الندب فعلى سبيل أنه أتى به مندوبا ، فلو أتينا به على أنّه واجب علينا ، كان ذلك تركا لمتابعته والآية تدلّ على وجوب المتابعة ، فثبت أنّ فعل الرّسول لا يدلّ على الوجوب علينا.
فالجواب : أنّ المتابعة في الفعل عبارة عن الإتيان بمثل الفعل الذي أتى به المتبوع ؛
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٦٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٠٤.
(٢) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ١٦٧.