سيبويه ، ولا إلى ما ذهب إليه المبرّد ؛ لأنّه عند المبرد اسم جمع فالضّمّة في فائه أصل وليست بدلا من الفتحة بل أحدث قولا ثالثا.
فصل
قال المفسّرون : إنهم احتاجوا في التيه إلى ماء يشربونه ، فأمر الله تعالى موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أن يضرب بعصاه الحجر ، وكانوا يذرءونه مع أنفسهم ، فيأخذون منه قدر الحاجة ، ولمّا أن ذكر تعالى كيف كان يستقيم ، ذكر ثانيا أنّه ظلّل الغمام عليهم في التّيه تقيهم حرّ الشّمس ، وثالثا : أنّه أنزل عليهم المنّ والسّلوى ، ومجموع هذه الأحوال نعمة من الله تعالى.
ثمّ قال : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) والمراد قصر نفوسهم على ذلك المطعوم ، وترك غيره.
وقرأ عيسى (١) الهمدانيّ ما رزقتكم بالإفراد.
ثمّ قال وما ظلمونا وفيه حذف ؛ لأنّ هذا الكلام إنّما يحسن ذكره لو أنّهم تعدوا ما أمرهم الله به ، إمّا لكونهم ادّخروا ما منعهم الله منه ، أو أقدموا على الأكل في وقت منعهم الله منه ؛ أو لأنّهم سألوا عن ذلك مع أنّ الله منعهم منه والمكلف إذا ارتكب المحظور فهو ظالم لنفسه ، ولذلك وصفهم الله بقوله : (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ؛) لأنّ المكلف إذا أقدم على المعصية فهو ما أضر إلّا نفسه.
قوله تعالى : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ)(١٦٢)
قوله تعالى : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) الآية.
اعلم أنّ هذه القصة قد تقدّمت مشروحة في سورة البقرة إلّا أنّ بينهما تفاوتا من وجوه :
أحدها : أنّه عيّن القائل في سورة البقرة ، فقال وإذ قلنا وههنا أبهمه فقال وإذ قيل.
وثانيها : قال في سورة البقرة «ادخلوا» وقال هاهنا «اسكنوا».
وثالثها : قال في سورة البقرة فكلوا بالفاء ، وههنا بالواو.
ورابعها : قال هناك رغدا وأسقطها ههنا.
وخامسها : قدّم هناك قوله (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) على «وقولوا حطّة» وههنا على العكس.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٦٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٠٦ ، والدر المصون ٣ / ٣٥٩.