أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(١٦٦)
قوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) الآية.
المقصود تعرف هذه القصة من قبلهم ؛ لأنّ الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قد علمها من قبل الله تعالى ، والمقصود من ذكر هذا السؤال أحد أشياء :
الأول : المقصود منه تقرير أنهم كانوا قد أقدموا على هذا الذنب القبيح تنبيها لهم على إصرارهم على الكفر بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
والثاني : أنّ الإنسان قد يقول لغيره هل الأمر كذ وكذا؟ ليعرف ذلك بأنه محيط بمعرفة تلك الواقعة وغير غافل عنها. ولمّا كان النبي صلىاللهعليهوسلم رجلا أميا لم يعلم علما ، ولم يطالع كتابا ، ثمّ إنّه يذكر هذه القصص على وجوهها من غير تفاوت ولا زيادة ولا نقصان ، كان ذلك جاريا مجرى المعجزة.
قوله : «عن القرية» لا بدّ من مضاف محذوف ، أي : عن خبر القرية ، وهذا المحذوف هو النّاصب لهذا الظرف وهو قوله «إذ يعدون».
وقيل : هو منصوب ب «حاضرة».
قال أبو البقاء (١) : وجوّز ذلك أنها كانت موجودة في ذلك الوقت ثم خربت.
وقدر الزمخشريّ : المضاف «أهل» أي : عن أهل القرية ، وجعل الظرف بدلا من «أهل» المحذوف فإنّه قال : «إذ يعدون» بدل من القرية ، والمراد بالقرية : أهلها كأنه قيل : واسألهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في البيت ، وهو من بدل الاشتمال.
قال أبو حيّان (٢) وهذا لا يجوز ؛ لأن «إذ» من الظّروف التي لا تتصرّف ، ولا يدخل عليها حرف جر ، وجعلها بدلا يجوّز دخول «عن» عليها ؛ لأنّ البدل هو على نيّة تكرار العامل ولو أدخلت «عن» عليها لم يجز ، وإنّما يتصرّف فيها بأن تضيف إليها بعض الظّروف الزّمانية نحو : يوم إذ كان كذا ، وأمّا قول من ذهب إلى أنّها تكون مفعولة ب «اذكر» فقول من عجز عن تأويلها على ما ينبغي لها من إبقائها ظرفا.
وقال الحوفيّ : «إذ» متعلقة ب «سلهم».
قال أبو حيان (٣) : وهذا لا يتصوّر ، لأن «إذ» لما مضى ، و «سلهم» مستقبل ، لو كان ظرفا مستقبلا لم يصحّ المعنى ؛ لأنّ العادين ـ وهم أهل القرية ـ مفقودون فلا يمكن سؤالهم والمسئول غير أهل القرية العادين.
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٢٧٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٠٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٠٨.