وقرأ شهر (١) بن حوشب وأبو نهيك «يعدّون» بفتح العين وتشديد الدّال ، وهذه تشبه قراءة نافع في قوله (لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) [النساء : ١٥٤] والأصل : تعتدوا ، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها.
وقرىء «يعدّون» (٢) بضمّ الياء وكسر العين وتشديد الدال من : أعدّ يعدّ إعدادا إذا هيّأ آلاته ، لما ورد أنهم كانوا مأمورين في السبت بالعبادة ، فيتركونها ويهيّئون آلات الصّيد.
فصل
معنى الآية : واسأل يا محمّد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال توبيخ عن القرية التي كانت حاضرة البحر أي : بقرية ، والحضور نقيض الغيبة كقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٩٦].
قال ابن عباس ، وأكثر المفسرين : هي قرية يقال لها : أيلة بين مدين والطّور على شاطىء البحر (٣).
وقيل : مدين (٤).
وقال الزّهري : هي طبرية الشّام ، والعرب تسمّي المدينة قرية وعن أبي عمرو بن العلاء ما رأيت قرويين أفصح من الحسين والحجّاج يعني رجلين من أهل المدن ، و (يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) يتجاوزون حد الله فيه ، وهو اصيطادهم في يوم السّبت وقد نهوا عنه ، والسّبت : مصدر سبت اليهود إذا عظّمت سنّتها ، إذا تركوا العمل في سبتهم ، وسبت الرجل سباتا إذا أخذه ذلك ، وهو مثل الخرس ، وأسبت سكن فلم يتحرك والقوم صاروا في السّبت ، واليهود دخلوا في السبت ، وهو اليوم المعروف ، وهو من الرّاحة والقطع ، ويجمع على أسبت وسبوت وأسباب. وفي الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من احتجم يوم السّبت فأصابه مرض فلا يلومنّ إلّا نفسه».
قال القرطبي (٥) : قال علماؤنا : لأنّ الدّم يجمد يوم السبت ، فإذا مددته لتستخرجه لم يجر وعاد برصا.
قوله : (إِذْ تَأْتِيهِمْ) العامل فيه «تعدون» أي : إذا عدوا إذ أتتهم ؛ لأنّ الظّرف الماضي يصرف المضارع إلى المضيّ.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٦٧ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٠٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٦٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٧٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٠٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٦٠.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٩١) من طريق عكرمة عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٥١) وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي الشيخ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٩٢) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٥١) عن سعيد بن جبير وعزاه لعبد بن حميد.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٩٤.