فصل
الضمير في عليهم يقتضي رجوعه إلى الذين : (عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) لكنّهم قد مسخوا ، فلم يستمر عليهم التّكليف ؛ فلذلك اختلفوا :
فقيل : المراد نسلهم.
وقيل : المراد سائر اليهود ، فإنّ أهل القرية كانوا فرقتين ، فالمتعدّي مسخ ، وألحق الذّلّ بالبقيّة.
وقال الأكثرون : هم اليهود الذين كانوا في زمن الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ؛ لأنّ المقصود من الآية تخويفهم وزجرهم ، وهذا العذاب في الدّنيا ، لأنه نص على أنّ ذلك العذاب ممدود إلى يوم القيامة ثمّ اختلفوا فيه :
فقيل : هو أخذ الجزية.
وقيل : الاستخفاف والإهانة لقوله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) [آل عمران : ١١٢] وقيل : القتل والجلاء الذي وقع بأهل خيبر وبني قريظة والنضير.
فصل
دلّت هذه الآية على أنّ اليهود لا دولة لهم ولا عزّ ، وأن الذّلّ والصغار لا يفارقهم ، وقد ورد في الحديث : أن أتباع الدّجّال هم اليهود (١) فإن صحّ فمعناه : أنهم كانوا قبل خروجه يهودا ، ثم دانوا بإلهيته ؛ فذكروا بالاسم الأول ، ولو لا ذلك لكانوا في وقت اتباعهم الدّجّال قد خرجوا عن الذلة والقهر ، وهو خلاف الآية.
ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) والمراد التّحذير من عذابه في الآخرة مع الذّلة في الدّنيا (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب من الكفر ، واليهوديّة ، وآمن بالله وبرسوله.
قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(١٧٠)
قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) الآية.
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٦٦) كتاب الفتن وأشراط الساعة : باب في بقية من أحاديث الدجال حديث (١٢٤ / ٢٩٤٤) من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة.