«وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجر المصلحين» أي : لا نضيع (١) أجرهم ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠].
فإن قيل : التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة ، ومنها إقامة الصلاة فكيف أفردها بالذّكر؟ فالجواب : أفردها لعلو مرتبتها ، فإنّها أعظم العبادات بعد الإيمان.
قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١٧١)
قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) الآية.
قال أبو عبيدة : النّتق : قلع الشيء من موضعه ، والرّمي به ، ومنه : نتق ما في الجراب إذا نفضه فرمى ما فيه ، وامرأة ناتق ، ومنتاق : إذا كانت كثيرة الولادة ، وفي الحديث : «عليكم بزواج الأنكار ، فإنّهنّ أطيب أفواها ، وأنتق أرحاما ، وأرضى باليسير».
وقيل : النّتق : الجذب بشدة. ومنه : نتقت السّقاء إذا جذبته لتقتلع الزّبدة من فم القربة.
قال الفرّاء : «هو الرفع» وقال ابن قتيبة : الزّعزعة. وبه فسّره مجاهد.
وقال النّابغة : [الكامل]
٢٦١٤ ـ لم يحرموا حسن الغذاء وأمّهم |
|
طفحت عليك بناتق مذكار (٢) |
وكلّها معان متقاربة.
قوله : «فوقهم» فيه وجهان :
أحدهما : هو متعلّق بمحذوف ، على أنّه حال من الجبل وهي حال مقدرة ؛ لأنّ حالة النّتق لم تكن فوقهم ، لكن بالنّتق صار فوقهم.
والثاني : أنه ظرف ل : نتقنا قاله الحوفيّ وأبو البقاء.
قال أبو حيان (٣) : ولا يمكن ذلك ، إلّا أن يضمّن معنى فعل يمكن أن يعمل في فوقهم أي : رفعنا بالنّتق الجبل فوقهم ، فيكون كقوله : (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) [النساء : ١٥٤]. فعلى هذا يكون فوقهم منصوبا ب «نتق» لا بمعنى رفع.
قوله : «كأنّه ظلّة» في محل نصب على الحال من «الجبل» أيضا فتتعدّد الحال.
وقال مكيّ : هي خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو كأنه ظلّة وفيه بعد. والظّلّة : كل ما أظلك. قال عطاء : سقيفة.
__________________
(١) تقدم.
(٢) انظر : ديوانه (٦١) ، البحر ٤ / ٤١.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤١٨.