وروي عن الجحدري كذلك ، وروي عنه كسر الميم (١) وسكون الثاء ورفع اللّام وجرّ «القوم» وهذه القراءة المنسوبة لهؤلاء الجماعة تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون «ساء» للتّعجب ، مبنيّة تقديرا على «فعل» بضمّ العين كقولهم : لقضو الرجل ، و «مثل القوم» فاعل بها ، والتقدير : ما أسوأ مثل القوم ، والموصول على هذا في محل جر ، نعتا ل «قوم».
والثاني : أنّها بمعنى «بئس» و «مثل القوم» فاعل ، والموصول على هذا في محلّ رفع ؛ لأنه المخصوص بالذّمّ ، وعلى هذا فلا بد من حذف مضاف ، ليتصادق الفاعل والمخصوص على شيء واحد ، والتقدير : ساء مثل القوم مثل الذين ، وقدّر أبو حيان تمييزا في هذه القراءة وفيه نظر ؛ إذ لا يحتاج إلى تمييز ، إذا كان الفاعل ظاهرا ، حتّى جعلوا الجمع بينهما ضرورة ، كقول الشّاعر: [الوافر]
٢٦٢٤ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا |
|
فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (٢) |
وفي المسألة ثلاثة مذاهب : الجواز مطلقا ، والمنع مطلقا ، والتّفصيل ، فإن كان مغايرا في اللّفظ ومفيدا فائدة جديدة جاز نحو : نعم الرّجل شجاعا زيد ؛ وعليه قوله : [الوافر]
٢٦٢٥ ـ تخيّره ولم يعدل سواه |
|
فنعم المرء من رجل تهامي (٣) |
فصل
قال اللّيث : ساء يسوء : فعل لازم ومتعد ، يقال : ساء الشّيء يسوء فهو سيّىء وساءه يسوءه مساءة ، إذا قبح.
فإن قيل : ظاهر قوله : «ساء مثلا» يقتضي كون ذلك المثل موصوفا بالسّوء ، وذلك غير جائز ؛ لأن هذا المثل ذكره الله تعالى ، فكيف يكون موصوفا بالسّوء؟ وأيضا فهو يفيد الزجر عن الكفر والدّعوة إلى الإيمان ، فكيف يكون موصوفا بالسّوء؟
فالجواب : أنّ الموصوف بالسّوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عنها ، حتّى صاروا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلب اللّاهث.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٧٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٤ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٣.
(٢) البيت لجرير : ينظر ديوانه (١١٧) ، المقتضب ٢ / ١٤٨ ، المفصل لابن يعيش ٧ / ١٣٢ ، الخصائص ١ / ٨٣ ، الخزانة ٩ / ٣٩٤ ، الأشموني ٢ / ٢٠٣ ، المقرب (٧٣) ابن عقيل ٢ / ١٣٠ ، العيني ٤ / ٣٠ ، الدر المصون ٣ / ٣٧٤.
(٣) البيت لأبي بكر بن الأسود. ينظر : المقرب ١ / ٦٩ ، وشرح المفصل ٧ / ١٣٣ ، والهمع ٢ / ٨٦ ، والتصريح ١ / ٣٩٩ ، والدرر ٥ / ٢٢٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ٣٦٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٥ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٤.