قوله : (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) «أنفسهم» مفعول ل «يظلمون» وفيه دليل على تقديم خبر «كان» عليها ؛ لأنّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل غالبا ، لأنّ ثمّ مواضع يمتنع فيها ذلك نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] ف «اليتيم» مفعول ب «تقهر» ولا يجوز تقديم «تقهر» على جازمه ، وهو محتمل للبحث.
وهذه الجملة الكونية تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون نسقا على الصلة وهي (كَذَّبُوا بِآياتِنا) والمعنى : الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله ، وظلم أنفسهم.
والثاني : أن تكون مستأنفة ، أي : وما ظلموا إلا أنفسهم بالتّكذيب ، وعلى كلا القولين فلا محلّ لها ، وقدّم المفعول ، ليفيد الاختصاص وهذا على طريق الزمخشريّ وأنظاره كأنّه قيل : وخصوا أنفسهم بالظّلم ، وما تعدى أثر ذلك الظّلم عنهم إلى غيرهم.
قوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) راعى لفظ «من» فأفرد ، وراعى معناها في قوله (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) فجمع ، وياء «المهتدي» ثابتة عند جميع القرّاء ، لثبوتها في الرسم ، وسيأتي الخلاف في التي في الإسراء.
وقال الواحديّ : فهو المهتدي يجوز إثبات الياء فيه على الأصل ، ويجوز حذفها استخفافا ؛ كما قيل في بيت الكتاب : [الوافر]
٢٦٢٦ ـ فطرت بمنصلي في يعملات |
|
دوامي الأيد يخبطن السّريحا (١) |
وعنه : [الكامل]
٢٦٢٧ ـ كنواح ريش حمامة نجديّة |
|
ومسحت باللّثتين عصف الإثمد (٢) |
قال ابن جني : شبّه المضاف إليه بالتنوين فحذف له الياء.
فصل
لمّا وصف الظّالمين وعرّف حالهم بالمثل المذكور بيّن في هذه الآية أنّ الهداية من الله ، وأنّ الضّلال من الله ، وذكر المعتزلة ههنا وجوها من التأويل : أحدها :
__________________
(١) البيت لمضرس بن ربعي. ينظر : الكتاب ١ / ٢٧ ، والخصائص ٢ / ٢٦٩ ، والإنصاف ٢ / ٥٤٥ ، والمنصف ٢ / ٧٣ ، والمغني ١ / ٢٢٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٢ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٨١ ، ولسان العرب (ثمن) ، (يدي) وله أو ليزيد بن الطثرية في شرح شواهد المغني ص ٥٩٨ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٦٠ ، والإنصاف ٢ / ٥٤٥ ، وجمهرة اللغة ص ٥١٢ وخزانة الأدب ١ / ٢٤٢ ، الخصائص ٢ / ٢٦٩ ، سر صناعة الإعراب ص ٥١٩ ، ٧٧٧٢ ، الدر المصون ٣ / ٣٧٤.
(٢) البيت لخفاف بن ندبة ينظر الكتاب ١ / ٢٧ ، العمدة ٢ / ٢٧١ ، الإنصاف ٢ / ٥٤٦ ، ابن يعيش ٣ / ١٤٠ ، المغني ١ / ١٠٥ ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٧٢ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٤١٦ ، شرح المفصل ٣ / ١٤٠ ، مغني اللبيب ١ / ١٠٥ ، المنصف ٢ / ٢٢٩ ، اللسان (تيز) ، الدر المصون ٣ / ٣٧٤.