كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(١٨٣)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) الآية.
اللام في [قوله] لجهنّم يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أنّها لام الصيرورة والعاقبة ، وإنّما احتاج هذا القائل إلى كونها لام العاقبة كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] فهذه علة معتبرة محصورة ، فكيف تكون هذه العلة أيضا؟ وأورد من ذلك أيضا قول الشاعر : [الوافر]
٢٦٢٨ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
.......... (١) |
وقول الآخر : [الطويل]
٢٦٢٩ ـ ألا كلّ مولود فللموت يولد |
|
ولست أرى حيّا لحيّ يخلّد (٢) |
وقول الآخر : [الطويل]
٢٦٣٠ ـ فللموت تغذو الوالدات سخالها |
|
كما لخراب الدّور تبنى المساكن (٣) |
الثاني : أنها للعلة ، وذلك أنّهم لمّا كان مآلهم إليها ، جعل ذلك سببا على طريق المجاز. وقد ردّ ابن عطيّة على من جعلها لام العاقبة ، فقال : وليس هذا بصحيح ولام العاقبة إنّما تتصوّر إذا كان فعل الفاعل لم يقصد مصير الأمر إليه ، وأمّا هنا فالفعل قصد به ما يصير الأمر إليه من سكناهم لجهنم واللّام على هذا متعلقة ب ذرأنا ، ويجوز أن تتعلّق بمحذوف على أنّه حال من كثيرا ؛ لأنه في الأصل صفة لها ، لو تأخّر ، ولا حاجة إلى ادّعاء قلب ، وأنّ الأصل : «ذرأنا جهنّم لكثير» ؛ لأنّه ضرورة أو قليل ، و «من الجنّ» صفة ل «كثيرا».
فصل
ومعنى (ذَرَأْنا) خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ، أخبر الله تعالى أنه خلق كثيرا من الجن والإنس للنار ، وهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزليّة بالشّقاوة ، ومن خلقه الله لجهنّم ، فلا حيلة له في الخلاص منها.
قالت عائشة : أدرك النّبيّ صلىاللهعليهوسلم جنازة صبيّ من صبيان الأنصار ، فقالت عائشة
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٢٥ ، الدر اللقيط ٤ / ٤٢٦ ، الدر المصون ٣ / ٣٧٥.
(٣) البيت لسابق البربري. ينظر : خزانة الأدب ٩ / ٥٢٩ ، ٥٣٢ ، والعقد الفريد ٢ / ٦٩ ، والدرر ٤ / ١٦٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٤ ، ولسان العرب (لوم) ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٥ ، والرازي ١٥ / ٦٢ ، والسراج المنير ١ / ٥٣٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٥.